اجتياح رفح يعني مواصلة حرب الإبادة على غزة، ولا يعني توقف مباحثات الهدنة التي تدار من قبل الوسطاء، وقد يكون بداية اجتياح رفح، هو للضغط على حماس من أجل قبول شروط الاحتلال على الصفقة، بعد أن تعثرت المفاوضات وتعطلت، ثم عادت ثم تعثرت ثم عادت، وحتى اليوم لا تزال جهود الوساطة من أجل موافقة الطرفان على صيغة ما، تفضي إلى هدنة تثمر في نهايتها إلى وقف هذه الحرب، وهذا يدفع للاعتقاد أن هذا الدخول إلى رفح قد يكون محدودًا وليس شاملًا.
نتنياهو لا يزال يدفع من أجل اجتياح كامل لرفح، وهو أحد الذين عطلوا التوصل إلى هدنة طيلة الوقت، ضاربًا بعرض الحائط كل الاحتجاجات الداخلية التي يقوم بها الجمهور من ذوي الأسرى، والمعارضين والرافضين لاستمرار الحرب، ورافضًا لكل الدعوات الدولية المحذرة من هذه الخطوة، وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج، وفي خطوة سريعة أحكم سيطرته على معبر رفح البري، والذي دخلته الدبابات وقامت بتخريبه وتدمير بنيته وإخراجه عن العمل، وهذا يسقط من يد نتنياهو آخر ورقة ظل يلوح بها طيلة الوقت.
نتنياهو باجتياحه لرفح يفقد آخر أوراقه، فلم يعد لديه بعد اجتياح رفح ما يلوح به، وهو بذلك يخسر ما كان يراهن عليه، خاصة إذا فشل في الوصول إلى الأسرى الرهائن، وهذا سيضعه في موقف صعب، ولن يكون بإمكانه تجاوزه، سيسفر عن تكفيك تحالفه الحكومي وسقوط حكومة الحرب.
صحيح أن اجتياح رفح يفقد المقاومة آخر حصن لها، إلا أن الاجتياح لا يعني القضاء على المقاومة، ولا يعني تفكيك قدراتها العسكرية، ولا يعني تحقيق وهم الانتصار الذي يبحث عنه الاحتلال، بل يعني سقوط نظريات التهديد والوعيد والحصار، وسقوط كذبة أخرى من الأكاذيب التي رفعها الاحتلال طيلة أشهر الحرب، وربما يكون بداية لمرحلة جديدة، سيكون لها شكلها ومحدداتها ونوعية عملها وأدواتها.
------------
سيطرت قوات الاحتلال على معبر رفح، بالنسبة للناس العاديين لا تعني شيئًا، هذا المعبر الذي في أشد أوقات الجوع والعطش كان مغلقًا ولم يفتح، وفي أيام فقدان المستشفيات للوقود والأدوية والمستلزمات الطبية بقي مغلقًا، ولم يسمح بدخول المساعدات الغذائية منه لأشهر طويلة، ولكن الأمر المخيف أن أعداد النازحين وقد تجمعوا في هذه البقعة والمساحة الجغرافية الضيقة، هو كبير جدًا، وتشهد المنطقة حالة من الاكتظاظ البشري الكبير، وهذا يعني أن الاجتياح الكامل لرفح سيؤدي إلى مجازر ومذابح كبيرة بحق النازحين.
عملية الدخول الهادئ إلى أطراف رفح، تشي بأنها قد تكون عملية محدودة، الهدف منها الضغط العسكري على عملية المفاوضات غير المباشرة، والتي لم تتوقف بل تراوح بين شد وشد، وبالتالي فإن الاحتلال قد يراهن على عملية محدودة من أجل تحقيق نتائج تفاوضية وتحسين بنود الصفقة لصالحه، وليس بالضرورة لتحقيق نتائج على الأرض، وأيضًا هي محدودة كي لا يخسر نتنياهو آخر ورقة في يده، فهو يعلم ما الذي يمكن أن يحدث له، إذا ما خسر آخر أوراقه.
التفاوض تحت النار هذا ما يحدث الآن، وهذا ما يراهن عليه نتنياهو وحكومة حربه، ولكن هذا الأمر قد يفجر المفاوضات ويعيدها إلى نقطة الصفر، خاصة في ملف تبادل الأسرى، وهو الملف الأهم بالنسبة للاحتلال والذي يسعى لإنجازه، والساعات والأيام القادمة مليئة بالتطورات، فإما أن تشهد عملية كبيرة في رفح، نتائجها كارثية على كافة الأصعدة، وإما أن نشهد صفقة شاملة وفق الشروط التي يتفق عليها.
----------------
نتنياهو باجتياحه لرفح يفقد آخر أوراقه، فلم يعد لديه بعد اجتياح رفح ما يلوح به، وهو بذلك يخسر ما كان يراهن عليه، خاصة إذا فشل في الوصول إلى الأسرى الرهائن