أول أمس/الثلاثاء, قال كاظم جلالي/ السفير الإيراني لدى موسكو, إن العلاقات الإيرانية الروسية تتطوّر بسرعة, وأنها الآن، أضافَ ـ في «المرحلة الذهبية», وأن روسيا وإيران لديهما «توجّهات ومواقف مُتطابقة» بشأن كافة القضايا الدولية والإقليمية. ما يعني من بين «ملفات» أخرى, أن موسكو لم تعد «قلقة» أو آسفة على التدهور المُتسارع في علاقاتها مع دولة العدو الصهيوني, والتي شابها التوتّر المُتدحرج بعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا, وانحياز تل أبيب للمعسكر الغربي بقيادته الأميركية, عندما عملت إدارة بايدن على استكمال تطويق روسيا من خاصِرتها «الرخّوة«, عبر العمل على ضم كييف لحلف شمال الأطلسي.
ولعل التغريدة اللاذعة, حدود التوبيخ والتندّر, التي «اطلقتها» مُتحدثة الخارحية الروسية/ ماريا زاخاروفا, تعكس حجم التأزم في علاقات موسكو بتل أبيب, عندما أشارت إلى «تعويل الأخيرة على روسيا في إدانة الهجوم الإيراني على إسرائيل»، إذ كتبت/ زاخاروفا على «تلغرام» مُخاطبة السفيرة الصهيونية/سيمونا غالبيرين: «ذكّريني يا سيمونا متى أدانت إسرائيل ولو ضربة واحدة على الأقل, من تلك التي وجهها نظام كييف للأراضي الروسية؟. لا تتذكرين؟ وأنا أيضاً لا أذكر شيئاً من ذلك». مُضيفة: «عِوضاً عن ذلك, أتذكّر التصريحات الإسرائيلية المُنتظمة الداعمة لتصرفات زيلينسكي».
وإذا ما إستعدنا تصريحات المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة/فاسيلي نيبينزيا, حول رفض الدول الغربية في مجلس الأمن, إدانة الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق, ناهيك عن الإنتقادات الروسية المُتواصلة للدول الغربية, على حرب الإبادة والتجويع الصهيواميركية وبالتحديد استخدام واشنطن وبريطانيا «الفيتو» لإحباط مشاريع قرارات لوقف دائم للنار في غزة, فإن الحديث عن ما يُشبه «القطيعة» بين موسكو وتل أبيب, لا ينطوي على مُبالغة. إذ قال/نيبينزيا في مجلس الأمن «إن ما حدث ليلة الـ«14» من نيسان, كان رداً على التقاعس المُخزي لمجلس الأمن، وعلى الهجوم الإسرائيلي الصارخ على دمشق، ولم يكن ذلك للمرة الأولى». كما وصفَ/نيبينزيا الاجتماع العاجل لمجلس الأمن بـ«استعراض للنفاق والمعايير المزدوجة».
ماذا تقول وسائل الإعلام الروسية ورهط الكُتاب والمُحلّلين الروس, حول الهجوم الإيراني على الكيان الصهيوني؟.
نبدأ بمقالة تحت عنوان «هل تُحارِب إيران في نهاية المطاف؟ أين وكيف ومتى؟, كتبها المُحلل الشهير/الكسندر نازاروف «المُقرب من الكرملين.. يقول عارِفوه), نشرها أول أمس الموقع الإلكتروني لقناة «روسيا اليوم/RT» جاء فيها: «كما توقعت، شاهدنا عرضاً أظهرت فيه إيران تصميمها واستعدادها للقتال، في حين أعلنت إسرائيل النصر المُؤزر، بزعم أنها أسقطت 99% من جميع المُسيَّرات والصواريخ دون أن تتكبّد أي خسائر. رسمياً، ـ واصلَ ـ فازت جميع الأطراف، والجميع سعداء، بما في ذلك واشنطن التي تجنّبت المشاركة في حرب إقليمية على خلفية تفاقم الوضع في أوكرانيا، وعشية تصاعد الصراع مع الصين. حتى تركيا فازت هي الأخرى، بعد عجزها عن مقاومة «إغراء» إخبار العالم أجمع, بأن الاتصالات بشأن حجم الضربات والرد الأميركي بين الولايات المتحدة وإيران قد «تمّ من خلالها».
ثم لفتَ/نازاروف إلى مسألة غاية في الأهمية على النحو التالي: «إسرائيل لا تمتلك طيراناً استراتيجياً، بالتالي فإن شن حرب واسعة النطاق مع إيران بالأسلحة التقليدية أمر ممكن, فقط في حالتين.. الحالة الأولى: هي ما إذا كان لدى إسرائيل مطارات بالقرب من إيران. وللقيام بذلك، من الضروري إما جرّ دول الخليج العربي إلى الحرب، أو ضمان مشاركة الولايات المتحدة، أو/الحالة الثانية: تحقيق اشتباك عسكري مُباشر بين إيران وأذربيجان (حول أرمينيا). وتتعاون أذربيجان بالفعل بشكل وثيق مع إسرائيل، حيث تُزودها بالنفط، وتشتري الأسلحة منها. والرفيق أردوغان، (برغم إداناته الصاخبة لإسرائيل)، يُتاجِر هو الآخر مع إسرائيل، ومن غير المُرجّح أن يمنع ظهور الطائرات الإسرائيلية لدى أذربيجان، إذا كانت نتيجة الحرب هي إنشاء ممر إلى آسيا الوسطى.
أما يلينا بانينا/ السياسِية الروسية وعضو البرلمان الإتحادي, فكتبت مقالة تحت عنوان: «أهم نتيجة للرّد الإيراني.. إسرائيل عاجزة عن حماية نفسها بنفسها», جاء فيها ـ وِفق ترجمة الصديق د. زياد الزبيدي: إسرائيل غير قادرة على الدفاع عن نفسها دون مساعدة خارجية. والآن «تستكشِف إسرائيل والولايات المتحدة سبل الاستجابة للواقع الاستراتيجي الجديد».
من الواضح ـ أضافتْ ـ أن شركاء تل أبيب في صدِّ الهجوم الإيراني حصلوا أيضاً على نفوذ معين على الحكومة الإسرائيلية, وهو ما يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار, حتى لا تجد إسرائيل نفسها في عزلة. وبطبيعة الحال، من غير المُرجّح أن تتخلى الولايات المتحدة عن إسرائيل، لكنها لا تستطيع أيضاً أن تسمح لها بتجاهل رأيها بالكامل، لأن الولايات المتحدة هي التي ستتحمل العبء الرئيسي للحرب مع إيران, في حال جولات التصعيد اللاحقة «بمبادرة من تل أبيب».