باقتراب موعد بدء حملة الإنتخابات الرئاسية الأميركية, التي ستنطلق بعد اعتماد مؤتمر الحزب الجمهوري دونالد ترمب/مرشحاً عنه لإنتخابات الخامس من تشرين الثاني المقبل, كذلك حال قرّر مؤتمر الحزب الديموقراطي الوقوف خلف جوزيف بايدن/لولاية ثانية. يُحاول المُرشحات «المُحتملان» إستغلال كل ما هو مُتاح لكل منهما من فُرص, ليس فقط لشيطنة الآخر والتصويب عليه, ونعته بصفات تحط من قيمته وقدراته على النحو الذي لم يتوقف ترمب في مناظراته مع بايدن في الانتخابات الرئاسية السابقة, ويواصلها بتركيز هذه المرة، خاصة بعد حال عدم التركيز والتصرفات المُثيرة للدهشة التي تصدر عن بايدن، إن لجهة تراجع قدراته الذهنية, أم خصوصاً في مواقفه السياسية والقرارات التي يتّخذها إزاء الأزمات التي تعصف بمناطق عديدة في العالم. سواء في حرب الإبادة والتجويع والتدمير التي يشنها تحالف الشر الصهيوأميركي على قطاع غزة, أم في تداعيات الحرب الأوكرانية والفشل المُتدحرج المحمول على هزيمة تلوح في الأفق لنظام زيلينسكي، وقرب تفكّك التحالف الغربي الذي وقف وما يزال وإن بحماسة أقل, خلف «الحرب» التي توهّمَ قادة المعسكر الغربي بقيادته الأميركية, أنها ستُلحق «هزيمة استراتيجية» بروسيا.
تبرز في حملات التشويه والشيطنة بين ترمب وبايدن, الحرب الصهيوأميركية على قطاع غزّة, التي وجدَ فيها ترمب «فرصة» لتوجيه مزيد من الانتقادات إلى منافسه الديمقراطي, ومنه نحو نتنياهو الذي يبدو في الظاهر أنه تمرّد على داعمه الأميركي (بايدن), والأخير لم يتأخر عن «تجديد» تقديم أوراق اعتماده, للكيان الصهيوني ورهط اللوبيات الصهيويهودية العديدة على الساحة الأميركية. وفي مقدمتها مجموعة الضغط اليهودية بالغة التأثير المُسمّاة «لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية» (المُعرّفة اختصاراً/«إيباك») والتي تتوفر على نفوذ كبير لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية الأميركيتين, ما يسمح لها بسهولة تمرير مشاريع قرارات سياسية وعسكرية ودبلوماسية ومالية, داعمة لدولة العدو الصهيوني..
في الأثناء، تتدحرج حملات التشويه والشيطنة المُتبادلة بين ترمب وبايدن, إلى الموقف من «إسرائيل» ونفوذ «اليهود» على الساحة الأميركية، ما سمح لترمب تحديداً لتوجيه انتقادات تبدو (في ظاهرها) غير مسبوقة في التصويب على اليهود وعدم وفائهم له, بما هو (كما وصفَ نفسه أكثر من مرة) الأول في رؤساء الولايات المتحدة الذي قدّم لإسرائيل ما لم يقدمه أي رئيس أميركي سبقه, كما قال في مقابلة مع صحيفة «يسرائيل هيوم» يوم 26 آذار الماضي، لافتاً بأنه الرئيس الأميركي الأكثر تأييداً لـ«إسرائيل» في التاريخ، مُكرراً ما كان روّج له طوال فترة رئاسته, خاصة بعد خسارته أمام بايدن, بأنه نقلَ السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة, مُتفاخراً بأنه سيقف مع إسرائيل بنسبة 100% دون تردد, بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر الماضي، مُذكِّراً بما كان قاله لمجموعة من الجمهوريين اليهود العام الماضي, أن الصراع بين إسرائيل و«حماس», ليس صراعاً بين طرفين متساويين، بل هو - أضافَ ترمب - بين الحضارة والوحشية، بين الحِشمة والفجور، بين الخير والشر، مُتابِعاً معزوفته الشريرة أمام مؤتمر الائتلاف اليهودي الجمهوري في لاس فيغاس «لا يُمكن أن يكون هناك تعاطف ولا أعذار ولا مفرّ, لهؤلاء الوحوش وسنفعل ما يجب القيام به».
سجّل صاحب صفقة القرن، نقطة لصالحه عندما, دخل في سباق محموم مع حملة بايدن على استقطاب يهود أميركا، لكن حملة بايدن لم تستستلم فأخرجت له «أرنباً» آخر, بتذكيره ما كان قاله عن الديمقراطيين اليهود (اليهود المؤيدون لبايدن), عندما وَصفهم/ترمب, بأنهم «يكرهون إسرائيل ويجب أن يخجلوا من أنفسهم»)، وكان كرّر القول ذاته أكثر من مرة, آخرها الأسبوع الماضي بقوله «لا ينبغي للأميركيين اليهود التصويت لصالح الديمقراطيين»، مُعتبِراً أن اليهود الأميركيين «خذلوه» لعل أشهر تلك الإضاءات اللاذعة المُتقدة لليهود الأميركيين, تلك التي نشرتها «واشنطن بوست» أواخر العام 2021 (أعادت حملة بايدن التذكير به), عندما قال في مقابلة مع الصحفي الإسرائيلي/باراك رافيد, بأن «اليهود في أميركا لم يعودوا يُحبون إسرائيل» –مضيفاً- سأقول لكم «أن المسيحيين الإنجيليين يحبون إسرائيل أكثر من اليهود في هذا البلد» مُتهِماً الرئيس السابق/أوباما والرئيس الحالي/بايدن, بالمسؤولية عن «فقدان إسرائيل نفوذها في الكابيتول هيل»، مُعرِباً عن «أسفه لأن الأميركيين اليهود صوتوا لصالح الديمقراطيين بأعداد كبيرة».
في جردة حساب أولية وغير مُؤكدة, يبدو تأييد يهود أميركا لبايدن أكثر ترجيحاً, بعد «الكثير المهول» الذي قدّمه وما يزال, للدولة الفاشية العنصرية الصهيونية من دعم ومشاركة فعلية ميدانية وعسكرية, استخبارية ودبلوماسية وإعلامية (آخرها رفضه منح العضوية الكاملة لـ«فلسطين» في الأُمم المتحدة, بانتقالها من صفة «مُراقب» إلى دولة عضو)، زد على ذلك استعداده للدفاع عن إسرائيل, ضد أي ضربة انتقامية «إيرانية» للكيان الصهيوني بعد تدمير قنصليتها في دمشق.
السباق لم ينتهِ بعد وهو سيحتدم في الأشهر المقبلة, وصولاً إلى الثلاثاء/5 تشرين الثاني القريب، وسيكون «الولاء» لإسرائيل والنفوذ اليهودي وسطوة اللوبيات الصهيويهودية, موضوع السِجال ولُبّ المواجهة, بين جمهوري مُتصهين و«مُجرّبْ», وديمقراطي صهيوني «عتيق».