فقد وافقت كتلة البريكس على انضمام ستة دول اليها من ثلاث قارات هي السعودية وإيران وإثيوبيا ومصر والأرجنتين والإمارات العربية المتحدة لتصبح أعضاء رسميين في التكتل اعتبارا من الأول من كانون الثاني /يناير 2024، وذلك في الاجتماع الذي عُقد في مدينة جوهانسبرج في جنوب أفريقيا يوم الخميس الماضي. وتهدف هذه الخطوة إلى تسريع مساعيها لتعديل النظام العالمي الذي تعتبره متناقضاً.
وبقرارهم لصالح التوسع -وهو الأول للكتلة منذ 13 عاما- ترك زعماء البريكس الباب مفتوحا للتوسع المستقبلي حيث أعربت عشرات الدول الأخرى عن اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة التي يأملون في تحقيق تكافؤ الفرص العالمية فيها.
ويضيف التوسع ثقلا اقتصادياً إلى مجموعة البريكس، التي تضم في عضويتها الحالية الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بالإضافة إلى البرازيل وروسيا والهند وجنوب أفريقيا. ويمكنها أيضًا تضخيم طموحها المعلن في أن تصبح بطلاً للجنوب العالمي.
وتشير التحليلات الى أن التوترات القائمة منذ فترة طويلة قد تستمر بين الأعضاء الذين يريدون تشكيل التجمع ليكون ثقلا موازنا للغرب–خاصة الصين وروسيا والآن إيران، ذات الأهمية الجيوسياسية بغض النظر عن توتراتها المستمرة مع الغرب–وأولئك الذين يواصلون تعزيز العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة وأوروبا، كالبرازيل والهند.
وأكد الرئيس الصيني شي جين بينغ، أقوى مؤيدي توسيع الكتلة، إن «توسيع العضوية هذا أمر تاريخي». «إنه يظهر تصميم دول البريكس على الوحدة والتعاون مع الدول النامية الأوسع.» أما الرئيس الجنوب أفريقي رامافوسا فقال «لقد شرعت البريكس في فصل جديد في جهودها لبناء عالم عادل، عالم شامل ومزدهر أيضًا». بينما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يحضر القمة عن بعد، إن «بريكس لا تتنافس مع أحد».
وتعكس الدول المدعوة للانضمام رغبات أعضاء مجموعة البريكس الفردية في جلب الحلفاء إلى النادي. وقد مارس الرئيس البرازيلي لويز ايناسيو لولا دا سيلفا ضغوطا علنية من أجل ضم جارتها الأرجنتين بينما تتمتع مصر بعلاقات تجارية وثيقة مع روسيا والهند. ونظراً لقرب بكين من أثيوبيا فإن انضمامها إلى هذا التكتل يعكس رغبة جنوب أفريقيا في تضخيم صوت أفريقيا في الشؤون العالمية.
ويرى بعض المحللين أن دخول القوتين النفطيتين، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، يسلط الضوء على ابتعادهما عن فلك الولايات المتحدة وطموحهما في أن يصبحا من القوى العالمية ذات الثقل في حد ذاتها. انضمام السعودية يزيد من احتمالية زيادة تنسيقها مع روسيا في انتاج النفط كونهما أعضاء فاعلين في أوبك+.
وقد وجدت روسيا وإيران قضية مشتركة في كفاحهما المشترك ضد العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة والعزلة الدبلوماسية، مع تعمق علاقاتهما الاقتصادية في أعقاب غزو موسكو لأوكرانيا.
وبلا أدنى شك، أن عملية نشوء نظام عالمي جديد لا تزال تواجه معارضين شرسين. وما يلفت الانتباه هو حضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إعلان التوسع يوم الخميس الماضي، مما يعكس النفوذ المتزايد للكتلة، وتكراره دعوات مجموعة البريكس الطويلة الأمد لإصلاحات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، حيث قال «إن هياكل الحوكمة العالمية اليوم تعكس عالم الأمس». و"لكي تظل المؤسسات المتعددة الأطراف عالمية حقاً، يجب عليها أن تخضع للإصلاح لتعكس قوة اليوم والحقائق الاقتصادية.» وهذه بلا أدنى شك أوضح تصريحات قد تخرج من شخصية عالمية يفترض أن تكون محايدة في هذه الامور.
تتمتع دول البريكس باقتصادات مختلفة إلى حد كبير من حيث الحجم وحكومات ذات أهداف متباينة في السياسة الخارجية في كثير من الأحيان، وهو عامل تعقيد لنموذج صنع القرار التوافقي للكتلة.
ورغم أنها موطن لنحو 40% من سكان العالم وربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فإن الانقسامات الداخلية أعاقت لفترة طويلة طموحات مجموعة البريكس في التحول إلى لاعب رئيسي على المسرح العالمي.
أن أكبر إنجاز واقعي لهذا التكتل هو انشاء بنك التنمية الجديد في شنغهاي عام 2015، الذي يكافح الآن في مواجهة العقوبات المفروضة على روسيا، المساهم المؤسس. والخطوة التالية التي تعمل عليها الدول الأعضاء في «بريكس الموسع» هي دراسة امكانية انشاء نظام مدفوعات وتسويات تجارية واقتصادية بعملة جديدة و/أو إصدار عملة مشتركة على الأغلب ستكون عملة رقمية، بهدف تقليل الاعتماد على الدولار الاميركي تدريجياً، فهل ستنجح في ذلك؟.