لنا، نحن فلسطينيو الداخل، خصام مع الدولة اليهودية (أو، على الأصح، دولة الفوقية اليهودية) المنحازة ضدنا وضد أبناء شعبنا، ولصالح اليهود من مواطنيها بالفعل وبالإمكان. وهي منحازة ضدنا في جميع الدوائر التي يتم من خلالها توزيع الخيرات والمنافع ذات المعنى الاجتماعي: المال والأعمال والتعليم والصحة والأمن والعبادة والأرض والإسكان والرموز الوطنية والروحية وعضوية المجتمع السياسي (أي، المواطنة). وهي منحازة، في المقابل، لصالح اليهود من مواطنيهما في كل ذلك. وهي منحازة ضدنا وضد أبناء شعبنا فيما تقوله وتفعله، وفيما تهمله أو تحجم عن فعله. وجرائم الإحجام أو الإهمال، كما نعرف جيدًا، لا تقل خطورة أحيانًا عن جرائم الأفعال أو الأعمال. غني عن القول في هذا الصدد بأن هذا الانحياز يتنافى مع مبدأ حياد الدولة الديمقراطية الليبرالية الحديثة بين جماعات المواطنين، كما بين تصوراتهم المتباينة أو المتنافسة بشأن الخير الأسمى أو طرق الخلاص في الدنيا، أو في الآخرة. وما تفشي وباء الجريمة بيننا خلال العقدين الأخيرين، منظمة كانت تلك الجريمة أو غير منظمة، إلا نتيجة لانحياز الدولة ضدنا، فيما تفعل وفيما تهمل على السواء.
وإذا كنا، نحن فلسطينيو الداخل، نتوجع كثيرًا من تفشي وباء الجريمة، والتي حصدت أرواح ما لا يقل عن ١٥٠٠ فلسطيني وفلسطينية خلال العقدين الماضيين، وما يزيد عن ١٠٠ من هذه الأرواح خلال النصف الأول من العام الحالي، إلا أنه لا يجوز الفصل، في اعتقادي، بين تفشي وباء الجريمة وتبعات انحياز الدولة ضدنا في دوائر التوزيع المذكورة أعلاه، ذلك الانحياز الذي وجد أوضح تعبير له في قانون القومية لعام ٢٠١٨. أمًا الخطورة الخاصة لتفشي الجريمة، فتكمن في مصادرتها وتهديدها للحق في الحياة والسلامة الشخصية، أول حقوق المواطن/ الإنسان وشرطها المسبق. وإذا كان الأمر كذلك، ينتج عن ذلك مباشرةً أن النضال من أجل لجم الجريمة أو القضاء عليها، على أهميته وإلحاحيته، لا يمكنه أن يكون منفصلًا عن النضال ضد انحياز الدولة ضدنا في دوائر توزيع الخيرات والمنافع الأخرى، وعلى رأسها العضوية في المجتمع السياسي.
بناءً على ما تقدم، فإن نضالنا، نحن فلسطينيو الداخل، يجب أن يصوب دائمًا نحو هدف الدولة المحايدة، الدولة غير المنحازة، الدولة الحكم، بين جميع مواطنيها المتساوين في الحقوق، وكذلك بين تصوراتهم المتباينة أو المتنافسة بشأن الخير الأسمى أو طرق الخلاص. فسواء ناضلنا ضد تفشي الجريمة أو ضد هدم المنازل أو ضد تقييد الحريات أو ضد التمييز في المخصصات والميزانيات والخدمات، أو ضد قانون القومية أو قانون المواطنة أو قانون العودة أو قانون كمنتس أو غيره من القوانين، يجب أن يكون المبتغى هو حياد الدولة في هذا المجال أو ذاك. أمًا الهدف النهائي فهو حيادها في مختلف المجالات. وكلما اقتربنا من هذا الهدف النهائي كلما ازداد حيادها سمكًا وكلما نقص بالتالي مدى انحيازها ضدنا، ذلك الانحياز الذي يصل إلى درجة الإذلال في كثير من الأحيان. غني عن القول بأن الدولة المحايدة المشتهاة هي نقيض دولة الفوقية اليهودية ذات النزعة غير الخافية نحو الفصل العنصري، والذي تدأب الحكومة اليمينية الحالية على ترسيخ دعائمه. أمًا شركاؤنا/ حلفاؤنا من الطرف الآخر في مثل هذا النضال فهم أساسًا أنصار الليبرالية القائمة على المساواة كقيمة عليا، وهم كذلك الديمقراطيون الرافضون للصهيونية، فكرًا وممارسة، والواقفون قرب الحدود النافية لها.
شركاؤنا/ حلفاؤنا في النضال من الطرف الآخر ليسوا هذا الخليط من الأحزاب والحركات السياسية والشخصيات الصهيونية، المدنية منها والأمنية، التي تتصدر مشهد المظاهرات الحاشدة احتجاجًا على خطط الحكومة اليمينية الحالية لتقويض مكانة السلطة القضائية. قليلون من بين هؤلاء المتظاهرين هم حلفاء/ شركاء لنا بالفعل أو بالإمكان. والسلطة القضائية المراودة عن نفسها لم تكن بدورها يومًا مثالًا أو عنوانًا للحياد بيننا وبين الخصوم. فهي جزء من كل فيه الخصام. أقول هذا دون التنكر لما قدمته تلك السلطة القضائية عبر السنين من بعض الحماية لحقوقنا وحقوق شعبنا أو دعم نضالنا من أجل المساواة في بعض حقوق ومستحقات المواطنة. وبصورة عامة، هناك حلفاء/ شركاء نضال لنا بتحفظ، وهناك، في المقابل، حلفاء/ شركاء نضال لنا بدون تحفظ. والحلفاء/ الشركاء من النوع الثاني، وخلافًا لحلفاء/ شركاء النوع الأول، هم الذين يشاطروننا أهداف النضال كلها، ويسيرون معنا في طريق النضال الصعب والطويل حتى نهايته المنشودة. وكما سوف يتضح من خلال التصنيف والتدريج أدناه.
حلفاء/ شركاء (ا): وهم من يشاطروننا النضال من أجل المساواة في الحقوق المدنية/ الفردية ليس أكثر. وهم أساسًا، وليس حصرًا، منحدرين من سلالتي الليبراليين المساواتيين واليساريين.
حلفاء/ شركاء (ب): وهم من يشاطروننا النضال من أجل المساواة في كل من الحقوق المدنية/ الفردية والجماعية. والحقوق الجماعية تعنى أساسًا باللغة والثقافة والعبادة وهوية الإنسان والمكان والملكية الجماعية للأرض، وما يتطلبه ذلك من حكم ذاتي من هذا النوع أو ذاك. جدير ذكره في هذا الصدد بأن هناك من الطرف الآخر جماعات، ليبرالية علمانية وأخرى دينية حريدية، أخذت تنادي في الآونة الأخيرة بتقسيم الدولة إلى أقاليم حكم ذاتي ترتبط فدراليًا بالحكم المركزي. ولفلسطينيي الداخل حصتهم المتخيلة من هذه الأقاليم.
حلفاء/ شركاء (ج): وهم الحلفاء/ الشركاء بدون تحفظ؛ حلفاء/ شركاء لنا ولأبناء شعبنا في النضال الطويل من أجل الحقوق الوطنية المتساوية للفلسطينيين جميعًا والإسرائيليين اليهود. وهم يساريون وليبراليون جذريون، رافضون للصهيونية أو داعون إلى تقليم أظافرها. هذا إضافة إلى جماعات يهودية دينية كافرة بالصهيونية، فكرها ومشروعها، أصلًا. هؤلاء الحلفاء/ الشركاء يبادرون، أو يدعمون مبادرات لنا، للنضال من أجل حل منصف للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يقوم على مبدأ الحقوق الوطنية المتساوية. وفي أعقاب تداعي بنيان حل الدولتين الكلاسيكي، تنادي مثل هذه الجماعات بحل الدولة الديمقراطية الواحدة أو بحل الدولتين المتشاركتين والمرتبطتين كونفدراليا. علمًا بأن الحلفاء/ الشركاء (ج) هم أيضًا حلفاء/ شركاء (ا) و(ب) في الوقت ذاته.
على ضوء التصنيف والتدريج أعلاه للحلفاء/ الشركاء بالفعل وبالإمكان من الطرف الآخر، يتضح بجلاء أن هناك كتلة مواطنين يهود وازنة من الحلفاء/الشركاء لنا في النضال، خاصة من أجل المساواة في الحقوق المدنية، وعلى رأسها الحق في الأمن والسلامة الشخصية. هذه الكتلة الوازنة من الطرف الآخر علينا أن نعرف كيف تجندها ونستفيد من ثقلها العددي والنوعي لتحقيق الأهداف المرجوة، لغرض التصدي لوباء الجريمة المنظمة وغير المنظمة، والتي نتوجع منها كثيرًا، كما لغرض التصدي للتمييز العنصري ضدنا في مختلف دوائر توزع الخيرات والمنافع الأخرى، المادية منها وغير المادية. وما ينطبق على تجنيد حلفاء/ شركاء النضال من الطرف الآخر من أجل المساواة في الحقوق المدنية/ الفردية ينطبق أيضًا، مع التعديلات اللازمة، على تجنيد حلفاء/ شركاء النضال من الطرف الآخر من أجل المساواة في كل من الحقوق الجماعية والوطنية، آخذين بالحسبان، بالطبع، تناقص الأعداد في حالتي الحقوق الجماعية والوطنية تباعًا.
وأخيرًا، يعزف العارفون أن طريق نضالنا من أجل المساواة التامة في الحقوق، على أنواعها ومستوياتها المذكورة، طويل وشاق ومتعرج، وتتخلله المطبات وكمائن الأعداء. كما ويعرف العارفون بأن سلوك طريق نضال كهذا يتطلب قيادة حكيمة وقادرة على بناء تحالف داخلي، واسع وحاو للأحزاب والحركات السياسية الفاعلة والمؤثرة لدى فلسطيني الداخل، وعلى تجنيد الحلفاء/ الشركاء من الطرف الآخر، خاصةً الحلفاء/ الشركاء بدون تحفظ، وكذلك على تحديد أو إعادة تحديد الأهداف والأولويات وطرق ووسائل النضال. فالتحديات هائلة، ويزداد هولها مع الزمن ومع تعاقب الحكومات اليمينية في إسرائيل. والحكومة الحالية، وهي الأكثر يمينية وتطرفًا في تاريخ الدولة، عازمة، فيما تقول وفيما تفعل وفيما تهمل، على تهجيرنا وأبناء شعبنا سياسيًا وقانونيًا. لكن الرد، ردنا، نحن فلسطينيو الداخل والفلسطينيون عمومًا، ما زال، للأسف، قاصرًا. وما تزايد أعداد ضحايا الجريمة في الداخل الفلسطيني إلا أحد أعراض هذا القصور. وهناك، كما نعرف جيدًا، أعراض أخرى كثيرة.
وللإجمال أقول: الرد المنشود، والذي يرقى إلى مستوى التحدي، تحدي دولة الفوقية اليهودية المنحازة ضدنا وضد أبناء شعبنا، والتي تتمادى في انحيازها في الآونة الأخيرة، يتطلب بناء ذلك التحالف الداخلي، الحاوي والواسع، تمامًا كما يتطلب تصعيد النضال الشعبي، وبإسناد من الحلفاء/ الشركاء المعنيين من الطرف الآخر، من أجل الدولة المحايدة، دولة جميع المواطنين المتساوين في الحقوق، الدولة الملتزمة بمحاربة الجريمة ومناهضة التمييز في توزيع الخيرات والمنافع بين مواطنيها، بقدر التزامها ببناء السلام على أساس الحقوق الوطنية المتساوية بين الشعبين. وختامًا، لنغرس عميقًا في الأذهان بأن تفشي وباء الجريمة ليس منفصلًا عن تفشي وباء التمييز العنصري، والذي بدوره ليس منفصلًا عن تفشي وباء الفاشية في دولة الفوقية اليهودية، دولة فيها الخصام، وهي الخصم، لا الحكم.