وانا منهمك في قراءة الكتاب، مستمتع بما حوى من معلوماتٍ طريفة، وبعضها غير شائع،عن رجالات زمانٍ غابر (بمعنيَيْه الماضي والباقي)،او أقوالٍ على ألسنتهم لا تشكل بالضرورة اعترافاتٍ بأخطاء او تراجعٍ عنها، ادركتُ ان جيلنا من القراء المتمسكين عن جدارة واستحقاق بمفاهيم ((الأبيض والأسود)) في ظروف تلك الأيام،قد ظلم هذا المؤلف المجدَّ المجتهد، وأهمل طويلًا قراءة انتاجه كمؤرخ رسمي غيرِ قادر على ان يكون مستقلا، وهو الموظف في دائرة يتذكرونها في بداياتها ايام الحرب العالمية الثانية ومن رسائلهم فتحُ رسائلهم البريدية للاطلاع?على اسرارهم ومنعُ الصحف والكتب القادمة من الخارج اذا وجدتْها مخالفة لسياسة الحكومة!
كتابه هذا ((اوراق من دفتر الأيام)) هو واحد من اربعين ألّفها عن تاريخ الاردن، وقد احتوتها مكتبة أنشأتها امانة عمان في ٢٠٠٩ باسم «مكتبة سليمان الموسى»،ويرجع الفضل في اطلاعي عليها للأستاذ سامر خير احمد المدير التنفيذي للثقافة في الأمانة آنذاك، الذي اصطحبني في جولة على ما حملت رفوفها من آثار مؤرخنا،فسعدت بهذا الانشاء الذي قدّره واحترم جهده التوثيقي، اما الكتاب الذي نحن بصدده فقد استعرض في صفحاته ال٣٧٥ لقاءاته واحاديثه مع ٧١ شخصية اردنية (او عربية لها علاقة بأحداث الاردن)، وبحسب معلوماتي وانطباعاتي عمن اعرف منه? شخصيًا وقد بلغ عددهم حوالي الثلاثين، استطيع ان اشهد مرتاحَ الضمير بان المؤلف كان ناقلًا أمينًا، ولم ألمسْ قط انه كان منحازًا لهذا ضد ذاك أو متأثرًا بفكر سياسي معين كالذي كان للحزب القومي الاجتماعي (السوري) كما اشتبه البعض، ربما لعلمهم بانتماء موظفين آخرين من نفس الدائرة لهذا الحزب تحديداً، وأشهد انه في سرد المعلومات عن حقبة حلف بغداد ومحاولة زج الاردن في عضويته كان موضوعيا، لكني لم ادرك كنه موقف وصفي التل من الحلف وهو الذي لم يكن آنذاك يحتل موقعه السياسي المؤثر.
وبعد.. لم تسنح لي فرصة التعرف على الأستاذ سليمان الموسى الا مرة واحدة عندما زارني في عيادتي في تسعينات القرن الماضي، لا كمريض بل ليقدم لي بكل كياسة وتواضع أحد كتبه ويشير في بعض صفحاته الى تاريخ تشكيل التجمع المهني في الاردن مباشرةً بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ ثم التجمع الوطني في السنة التالية برئاسة سليمان النابلسي، ويشير أيضًا الى اني كنت امينا للسر في الحالتين، ولا اظنه ساعتئذ قد غمز من جانب المصادر الاخرى التي أغفلت تلك الفترة من تاريخ البلاد بالرغم من أهميتها وضرورة توثيق تفاصيلها.