ليست المرة الأولى التي يسرق فيها ومنها الجيش السوداني، نتائج الثورات المدنية الشعبية التي إندلعت منذ الاستقلال عام 1956 إلى اليوم.
ففي كل حركة إحتجاجية يقوم بها الشارع السوداني بقيادة الأحزاب السياسية، ضد حكم فاسد أو ديكتاتورية متسلطة، ويفلح في إسقاط نظام سابق، حتى يتدخل الجيش تحت عناوين وذرائع وحجج مختلفة، ويقوم بالسيطرة على مقدرات السلطة والحكم، مقدماً وعوداً كاذبة، لعودة المدنيين إلى الحكم أو إنهاء الفساد، أو غيره من العناوين، هذا ما سبق وفعله إبراهيم عبود وجعفر النميري وعمر البشير، وهذا ما فعله ولايزال عبد الفتاح البرهان.
الجديد هو التحالف الذي وقع بين قائد الجيش قائد الانقلاب البرهان مع قائد قوات التدخل محمد دقلو حمديتي، اللذان إختلفا، وإنفجر الصراع الدامي بينهما كما نراه ونشاهده منذ أيام.
عوامل عديدة أفشلت شعب السودان كي يصل إلى مبتغاه: الديمقراطية والتعددية والاستقرار والعيش الكريم في بلد غني بثرواته الغذائية من حيوانات وزراعة ومواد خام، وهذه العوامل يمكن تلخيصها كما يلي:
أولاً : ضعف الأحزاب السياسية وعدم قدرتها على الوفاء للقيم الجبهوية وعدم التوصل إلى قواسم مشتركة حقيقية فيما بينها عبر جبهة وطنية متحدة وجدية، تؤدي إلى الاحترام المتبادل بين العناوين الفكرية السياسية الأربعة: 1- التنظيمات الإسلامية، 2- الحزب الشيوعي، 3- حزب البعث، 4- أحزاب وطنية محلية.
وكلما نجحت حركة الشارع في اسقاط حكم ديكتاتوري سابق أو نظام فاسد، وتتولى الأحزاب إدارة الدولة حتى تشتعل خلافاتها، وتعطي مبرر للجيش للتدخل وإنهاء النظام الديمقراطي الحزبي.
ثانياً: تدخل الجيش وسيطرته على السلطة، وأطماع الضباط الأقوياء نحو الحكم والتفرد في إدارة الدولة ورفضهم للديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع.
ثالثاً: التدخلات الأجنبية التي تلعب دورها وتأثيرها، في مسار الأحداث وتوجيهها لصالح العمل العسكري الإنقلابي، لأنهم يرفضون تولي الأحزاب مسؤولية إدارة الدولة السودانية وفق مصالح شعب السودان واستقلاله السياسي والاقتصادي، وإبقائه أسيراً للتخلف والحاجة والفقر، والتبعية.
الاشتباكات الدموية بين طرفي الصراع: الجيش من طرف بقيادة البرهان، وقوات التدخل السريع من طرف أخر بقيادة دقلو، ستترك أثارها المدمرة لسنوات بصرف النظر من سيفلح منهما في تصفية الأخر.
كلاهما متشدد، يختلفان مع بعضهما البعض، ولكنهما يتفقان على عدم الانزياح عن السلطة وعدم تركها للمدنيين، وحالهم حال 66 عاماً منذ الاستقلال عام 1956، حيث سيطر الجيش على السلطة أكثر من 55 عاماً، جرت خلالها 17 محاولة إنقلاب نجح منها ثلاث إنقلابات سيطروا على السلطة سنوات طويلة: إبراهيم عبود ، جعفر النميري، عمر البشير، وها هو البرهان منذ انقلابه عام 2019، يبحث عن كافة الذرائع والأسباب لتبقيه في السلطة أطول فترة ممكنة.