قبل المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بال السويسرية سنة 1897 والذي تقرر فيه إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، كان اليهود القادرون يحجون إلى فلسطين ويقيم بعضهم فيها دون أن يشكل ذلك خطراً على شعبها، أو يرى فيه خطراً عليه.
لكن حرباً عالمية بالوكالة ضد هذا الشعب (بمعنى أن كل من يساعد عدوك بالسلاح أو بالمال أو بالإعلام أو الديبلوماسية… يشترك في الحرب ضدك) بدأت منذ ذلك القرار بعدما أيدته أوروبا لأنها رأت فيه حلا للمشكلة اليهودية (Jewish Question) المقلقة للراحة الأوروبية، لذلك صارت تشجع وتمول الهجرة اليهودية السياسية إلى فلسطين.
ثم بلغت الحرب العالمية بالوكالة ذروتها بصدور وعد بلفور البريطاني سنة 1917م القاضي ضمنياً بتهويد فلسطين وإقامة هذه الدولة فيها، وقد تسنى لبريطانيا ذلك بانتداب عصبة الأمم لها لإدارة فلسطين بهذا الشرط. وبذلك شاركت عصبة الأمم الانتداب في الحرب لتنفيذ الوعد. وقد تصدت المقاومة الفلسطينية لهما بالإمكانات القليلة والضعيفة المتاحة.
انتهت هذه المرحلة من الحرب العالمية بالوكالة ضد الشعب الفلسطيني بقيادة بريطانيا وعصبة الأمم بنجاح الصهيونية في إعلان قيام الدولة الإسرائيلية 1947 بموجب قرار التقسيم (الأممي) الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقد شكل هذا القرار وهذا الإعلان استمرارا للحرب العالمية بالوكالة ضد الشعب الفلسطيني تمثل بدعم إسرائيل لها بالمال والسلاح والدبلوماسية والسياسة. وقد انتهت حرب سنة 1948 /1949 في فلسطين ضد الجيوش العربية والمقاومة الفلسطينية بانتصار العصابات الصهيونية عليهما وبتهجير معظم الشعب الفلسطيني، وسجنه في مخيمات ما تزال قائمة، هي أشد فتكا به وبقضيته من الحرب الدامية، فقد استولى اليهود على أراضيهم وأملاكهم واستقدم الملايين منهم لامتلاكها والاستيطان فيها.
ثم وقعت المعركة الحاسمة بين اسرائيل (والغرب) من جهة والشعب الفلسطيني والجيوش العربية من جهة أخرى سنة 1967 وقد انتهت بضياع كل فلسطين وأراض عربية أخرى ولكن الحرب العالمية بالوكالة لم تنته بعدها ضد الشعب الفلسطيني بل اشتدت إلى اليوم.
ربما لا أخطئ إذا ادعيت أن الهدف النهائي لهذه الحرب العالمية الغربية بالوكالة المستمرة ضد الشعب الفلسطيني ليس إنهاء قضيته العادلة فحسب، بل تصفيته سياسياً لتنعم إسرائيل بالراحة وهداة البال، مع أنه بريء تاريخياً من الاضطهاد الذي تعرض له اليهود وبخاصة في أوروبا وأميركا نفسها (ممنوع دخول الكلاب واليهود).
ومع هذا وعلى الرغم منه لم يمت هذا الشعب ولم يستسلم، ويؤدي صموده إلى تصاعد القلق الوجودي الإسرائيلي والخوف اليهودي الشديد من المستقبل الذي يعمل لصالحه مرتين: مرة بالمقاومة الديمغرافية ("يجب عدم الغرق في الأوهام… فإسرائيل تواجه الانزلاق إلى واقع الدولة الواحدة ثنائية القومية، وبعد ذلك ذات طابع عربي بين النهر والبحر”. هارتس في 16/8/2022 والغد في 17/8/2022)، ومرة ثانية بفشل جميع أساليب وألوان وأشكال ودرجات القمع الإسرائيلي للشعب الفلسطيني في إزالة هذا القلق المتناسب طردياً مع شدة القمع.
وبما أن الفضل ما يشهد به الأعداء فإنني مستشهد بمقدمة مقال للصحفي اليهودي الإسرائيلي جدعون ليفي:
"يبدو أن طينة الفلسطينيين تختلف عن طينة باقي البشر، فقد احتللنا أرضهم، وأطلقنا الغائبات وبنات الهوى عليهم وقلنا ستمر بضع سنوات وسينسون وطنهم وأرضهم، وإذا بجيل الشباب يفجر انتفاضة (87)، وأدخلناهم السجون وقلنا سنربيهم بها وبعد سنوات وبعد أن ظننا أنهم استوعبوا الدرس وإذا بهم يعودون إلينا بانتفاضة مسلحة بسنة 2000 أكلت الأخضر واليابس، فقلنا نهدم بيوتهم ونحاصرهم سنين طويلة، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها رغم الحصار والدمار، فأخذنا نخطط لهم بالجدران والاسلاك الشائكة وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض وبالأنفاق حتى اثخنوا فينا قتلاً في الحرب الماضية. حاربناهم بالعقول فإذا بهم يستولون على القمر الصناعي _ عاموس- ويدخلون الرعب في كل بيت في إسرائيل عبر بث التدمير والرعب كما حدث حين استطاع شبابهم الاستيلاء على القناة الثانية. خلاصة القول إننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ ولا حل سوى [الرحيل] أو الاعتراف بحقوقه وإنهاء الاحتلال”.
وعلى الرغم من هذا الصمود الأسطوري في هذه الحرب العالمية بالوكالة إلى جانب إسرائيل المستمرة منذ أكثر من قرن إلى اليوم يطل عليك آحاد من قبيحي الشكل والمنظر والمخبر يتهمون الشعب الفلسطيني ببيع وطنه لليهود، مع أنهم وحتى نهاية الانتداب لم يملكوا سوى نحو ستة في المائة منها معظمه من الأرض الأميرية وما باعه أمراء الإقطاع في لبنان وسورية لهم. وان كان هؤلاء الآحاد سيبيعون أرضهم لليهود لو كانوا هناك في بضعة أيام. كما يتهمون الشعب الفلسطيني بالهرب السريع من وطنه، مع أن بعضه أجبر بالحديد والنار والمذابح على ذلك. وإذا أرادوا معرفة الحقيقة هذه فلينظروا إلى الهاربين في أوكرانيا وغيرها بالملايين من أول طلقة.
لكنني أسأل القارئ بالله أن تجيب على هذا السؤال: هل يوجد شعب على وجه الكوكب ما تعرض له الشعب الفلسطيني على مدى قرن وما يزال من قمع واضطهاد وظل صامدا ومقاوما. ولما كان الأمر كذلك فيحب على كل عربي وإنسان شريف أن يرفع رأسه عالياً بصموده الفريد، وأن يدرك أن انتصاره وتحريره لوطنه يعينان تلقائياً تحرير أميركا وأوروبا والعالم أيضاً من الصهيونية واسرائيل.
لكن حرباً عالمية بالوكالة ضد هذا الشعب (بمعنى أن كل من يساعد عدوك بالسلاح أو بالمال أو بالإعلام أو الديبلوماسية… يشترك في الحرب ضدك) بدأت منذ ذلك القرار بعدما أيدته أوروبا لأنها رأت فيه حلا للمشكلة اليهودية (Jewish Question) المقلقة للراحة الأوروبية، لذلك صارت تشجع وتمول الهجرة اليهودية السياسية إلى فلسطين.
ثم بلغت الحرب العالمية بالوكالة ذروتها بصدور وعد بلفور البريطاني سنة 1917م القاضي ضمنياً بتهويد فلسطين وإقامة هذه الدولة فيها، وقد تسنى لبريطانيا ذلك بانتداب عصبة الأمم لها لإدارة فلسطين بهذا الشرط. وبذلك شاركت عصبة الأمم الانتداب في الحرب لتنفيذ الوعد. وقد تصدت المقاومة الفلسطينية لهما بالإمكانات القليلة والضعيفة المتاحة.
انتهت هذه المرحلة من الحرب العالمية بالوكالة ضد الشعب الفلسطيني بقيادة بريطانيا وعصبة الأمم بنجاح الصهيونية في إعلان قيام الدولة الإسرائيلية 1947 بموجب قرار التقسيم (الأممي) الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقد شكل هذا القرار وهذا الإعلان استمرارا للحرب العالمية بالوكالة ضد الشعب الفلسطيني تمثل بدعم إسرائيل لها بالمال والسلاح والدبلوماسية والسياسة. وقد انتهت حرب سنة 1948 /1949 في فلسطين ضد الجيوش العربية والمقاومة الفلسطينية بانتصار العصابات الصهيونية عليهما وبتهجير معظم الشعب الفلسطيني، وسجنه في مخيمات ما تزال قائمة، هي أشد فتكا به وبقضيته من الحرب الدامية، فقد استولى اليهود على أراضيهم وأملاكهم واستقدم الملايين منهم لامتلاكها والاستيطان فيها.
ثم وقعت المعركة الحاسمة بين اسرائيل (والغرب) من جهة والشعب الفلسطيني والجيوش العربية من جهة أخرى سنة 1967 وقد انتهت بضياع كل فلسطين وأراض عربية أخرى ولكن الحرب العالمية بالوكالة لم تنته بعدها ضد الشعب الفلسطيني بل اشتدت إلى اليوم.
ربما لا أخطئ إذا ادعيت أن الهدف النهائي لهذه الحرب العالمية الغربية بالوكالة المستمرة ضد الشعب الفلسطيني ليس إنهاء قضيته العادلة فحسب، بل تصفيته سياسياً لتنعم إسرائيل بالراحة وهداة البال، مع أنه بريء تاريخياً من الاضطهاد الذي تعرض له اليهود وبخاصة في أوروبا وأميركا نفسها (ممنوع دخول الكلاب واليهود).
ومع هذا وعلى الرغم منه لم يمت هذا الشعب ولم يستسلم، ويؤدي صموده إلى تصاعد القلق الوجودي الإسرائيلي والخوف اليهودي الشديد من المستقبل الذي يعمل لصالحه مرتين: مرة بالمقاومة الديمغرافية ("يجب عدم الغرق في الأوهام… فإسرائيل تواجه الانزلاق إلى واقع الدولة الواحدة ثنائية القومية، وبعد ذلك ذات طابع عربي بين النهر والبحر”. هارتس في 16/8/2022 والغد في 17/8/2022)، ومرة ثانية بفشل جميع أساليب وألوان وأشكال ودرجات القمع الإسرائيلي للشعب الفلسطيني في إزالة هذا القلق المتناسب طردياً مع شدة القمع.
وبما أن الفضل ما يشهد به الأعداء فإنني مستشهد بمقدمة مقال للصحفي اليهودي الإسرائيلي جدعون ليفي:
"يبدو أن طينة الفلسطينيين تختلف عن طينة باقي البشر، فقد احتللنا أرضهم، وأطلقنا الغائبات وبنات الهوى عليهم وقلنا ستمر بضع سنوات وسينسون وطنهم وأرضهم، وإذا بجيل الشباب يفجر انتفاضة (87)، وأدخلناهم السجون وقلنا سنربيهم بها وبعد سنوات وبعد أن ظننا أنهم استوعبوا الدرس وإذا بهم يعودون إلينا بانتفاضة مسلحة بسنة 2000 أكلت الأخضر واليابس، فقلنا نهدم بيوتهم ونحاصرهم سنين طويلة، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها رغم الحصار والدمار، فأخذنا نخطط لهم بالجدران والاسلاك الشائكة وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض وبالأنفاق حتى اثخنوا فينا قتلاً في الحرب الماضية. حاربناهم بالعقول فإذا بهم يستولون على القمر الصناعي _ عاموس- ويدخلون الرعب في كل بيت في إسرائيل عبر بث التدمير والرعب كما حدث حين استطاع شبابهم الاستيلاء على القناة الثانية. خلاصة القول إننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ ولا حل سوى [الرحيل] أو الاعتراف بحقوقه وإنهاء الاحتلال”.
وعلى الرغم من هذا الصمود الأسطوري في هذه الحرب العالمية بالوكالة إلى جانب إسرائيل المستمرة منذ أكثر من قرن إلى اليوم يطل عليك آحاد من قبيحي الشكل والمنظر والمخبر يتهمون الشعب الفلسطيني ببيع وطنه لليهود، مع أنهم وحتى نهاية الانتداب لم يملكوا سوى نحو ستة في المائة منها معظمه من الأرض الأميرية وما باعه أمراء الإقطاع في لبنان وسورية لهم. وان كان هؤلاء الآحاد سيبيعون أرضهم لليهود لو كانوا هناك في بضعة أيام. كما يتهمون الشعب الفلسطيني بالهرب السريع من وطنه، مع أن بعضه أجبر بالحديد والنار والمذابح على ذلك. وإذا أرادوا معرفة الحقيقة هذه فلينظروا إلى الهاربين في أوكرانيا وغيرها بالملايين من أول طلقة.
لكنني أسأل القارئ بالله أن تجيب على هذا السؤال: هل يوجد شعب على وجه الكوكب ما تعرض له الشعب الفلسطيني على مدى قرن وما يزال من قمع واضطهاد وظل صامدا ومقاوما. ولما كان الأمر كذلك فيحب على كل عربي وإنسان شريف أن يرفع رأسه عالياً بصموده الفريد، وأن يدرك أن انتصاره وتحريره لوطنه يعينان تلقائياً تحرير أميركا وأوروبا والعالم أيضاً من الصهيونية واسرائيل.