في السياسة الدولية، ينطوي التنافس بين الدول على علاقات متضاربة بين الدول القومية. فمن السمات الأساسية للمنافسة رغبة الدولة المعنية بإلحاق الضرر بالوضع الاقتصادي والمعاشي لخصومها لحرمانها من المكاسب السياسية والاقتصادية. فلا يعني التنافس في النظام الدولي تغييراً مفاجئا للدولة المهيمنة ولا يؤدي ذلك دوماً إلى حرب. فتشير حقيقة عدم وجود نزاعات مسلحة مباشرة بين الاتحاد السوفياتي سابقاً/ روسيا والولايات المتحدة، ومؤخراً الصين إلى أنها تعاونت في الوقت المحدد والمكان المحدد ولديها أهداف عالمية مشتركة، مثل مكافحة ال?رهاب أو الاتجار بالمخدرات.
من الواضح أن العلاقات الثنائية بين القوى العظمى تسير وفق اللعبة السياسية القديمة. في دراسة عن العلاقات الدولية، يفترض اكتساب التأثير على منطقة معينة وجود علاقة غير متكافئة تكون فيها الدولة القوية قادرة على بسط نفوذها وقوتها «الصلبة» أو «الناعمة» حصرياً في تلك المنطقة. وبمعنى أدق، يمكن أن تسير القوة العسكرية أو السياسية و الاقتصادية أو الثقافية والتاريخية جنباً إلى جنب للسيطرة على منطقة معينة.
روسيا أكبر الدول مساحة وهذا ما كفل لها استمرارها ومكانتها كقوة عظمى لقرون؛ ومثل أي قوة عظمى، تمتلك روسيا أيضاً مساحة تعتبر خاصة بها، وهي الفضاء السوفييتي السابق، وتحديداً آسيا الوسطى. من وجهة نظر روسيا، فإن وضعها كقوة عظمى يعني ضمناً الحفاظ على حقوقها في منطقة نفوذها المباشر، والتعاون مع القوى العظمى الأخرى لحل النزاعات الدولية. ولكن، لا يبدو أن واشنطن تتفق مع موقف موسكو هذا فيما يتعلق الأمر بالجغرافيا السياسية: فالقوى العظمى دائماً ما تكون حساسة للتهديدات المحتملة، بالقرب من أراضيها.
آسيا الوسطى هي المنطقة الجيوسياسية الأكثر خطورة، حيث أصبحت مكاناً مهماً ليس للقوى العظمى فقط مثل روسيا والولايات المتحدة والصين، بل أيضا للقوى الناشئة مثل الهند وتركيا وحتى الاتحاد الأوروبي. فموارد الطاقة هي الميزة الرئيسية للمنطقة. ففي آسيا الوسطى 11٪ من احتياطيات النفط في العالم وحوالي 30-40 ٪ من احتياطيات الغاز العالمية. وليست هذه هي المرة الأولى التي تلعب فيها المنطقة دوراً عالمياً مهماً، حيث كانت دائماً ملتقى الطرق التجارية القديمة والحديثة.
خلال الحرب الباردة، وُصِفت آسيا الوسطى بأنها منطقة منسية، ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تغيرت الجغرافيا السياسية لهذه المنطقة وزاد دور منطقة آسيا الوسطى في الشؤون الدولية بشكل كبير. ففي العقود الماضية، أصبحت آسيا الوسطى منطقة جيواستراتيجية وجيوسياسية للمنافسة بين القوى العظمى القديمة والجديدة. علاوة على ذلك، حاولت بعض من الدول الكبرى استغلال فراغ السلطة الذي نشأ بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، تتواجد بشكل متزايد في المنطقة، وهدفها الأساس هو زيادة وجودها العسكري في آسيا ?لوسطى. وتشمل أهدافها الإستراتيجية تحييد آسيا الوسطى وتعويض النفوذ الروسي والصيني وكذلك منع المنطقة من التطرف الديني وتقليل نفوذ إيران. ومن بين اللاعبين الآخرين في السباق على آسيا الوسطى: تركيا وإيران والهند. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن لروسيا والصين التأثير الأكبر على المنطقة، وأن المستقبل السياسي والاقتصادي سوف تحدده هاتان الدولتان لأن آسيا الوسطى هي منطقة النفوذ التقليدي لكلتيهما.