يهشون الفن كالذباب

يهشون الفن كالذباب
أخبار البلد -  
اخبار البلد - 
 

حين تنتقل من سكنك القديم إلى سكنك الجديد تحتار ماذا تنقل معك، وماذا تترك؛ فالسكن كأي نشاط إنساني آخر يتحول بعد فترة إلى وعاء لمتناقضات: قديم وجديد، قيّم ورخيص، متماسك ومتهالك، مفيد وبلا نفع. أبقاها الاعتياد لا القيمة المطلقة، أبقاها غياب المراجعة.
لن ينقل العاقل إلى سكنه الجديد إلا القيّم، الفريد، الذي لا يستطيع تكراره، فيجعل حياته الجديدة موصولة بالقديمة بأجمل ما كان فيها وأثمنه عليه. أما الباقي فـ«ارمي يا شيخ، مش هنملا البيت كراكيب».
هذا ما يحدث مع الأمم من جيل إلى جيل. تحوُّل الثمين من قيمها إلى منتج فني يجعل أبناءها حريصين على اقتنائه، مادياً، ونقله عبر الأجيال وعاءً لتلك القيم. فتضمن أن شابة في القرن الحادي والعشرين لا تزال تعرف ما أبدع شكسبير قبلها بأربعة قرون، القيم التي اختبرها، ما تبقَّى منه وما اندثر، ولماذا. وتعرف ما سجل رسامو النهضة الهولندية عن الصعود «التاريخي» لمفهوم الطبقة الوسطى، على سلم التنافسية والاستثمار. فصار هؤلاء الأثرياء بالكفاح، لا بالوراثة، نجوم اللوحات، وصارت بيوتهم وشوارعهم موضوعات لمنتج جمالي، يسهل اكتشاف معناه بمقارنتها بمنتج آخر قيّم اقتنته من عصر أسبق.
هذا المعنى الاجتماعي للفن صار تائهاً، مستحياً، وجلاً، خلف الأصوات العالية من فريقين؛ أحدهما يقيّمه بمفهوم المنع والإباحة ويأخذنا معه إلى هناك، والآخر يعتقد أن الفن الكلاسيكي الباقي هو كل الفن، فيشن الحرب على الفن باصطياد «التافه» منه، لا يعلم أن الفن - على مر التاريخ - كان درجات مختلفة، وأن الفن لا يصل إلى القمة إلا صعوداً من القاع. كوننا نتلقى عبر الأجيال كلاسيكياته القيّمة لا يعني أن هذا كل شيء. هذا أقل من واحد في الألف مما أُنتج معاصراً له.
والمحصلة الأخيرة التي نجنيها من هذين الفريقين مجتمعات بلا فن. والمجتمع بلا فن مجتمع بلا روح، ولا ذاكرة، ولا مقتنيات فكرية وقيمية يحرص كل جيل على نقلها إلى التالي له.
في هذا الخلاء تتقدم النصوصية. والنصوصية أيضاً حكمة متوارثة عبر الأجيال، لكنها - على النقيض من الفن - لا تحب التركيبات المتداخلة واكتشاف الاستثناء. ولا تتعرض للاختبار الطبيعي والمراجعة التلقائية، لكي تصبح مناسبة للإصدار الأحدث من «سوفتوير» البشر في حقبة معينة. كـ«فلوبي ديسك» يريد أن يحشر نفسه عنوة في «ثندربورت». يحشر نفسه على حاله، على هيئته، وعبثاً تحاول إقناعه بأن هذا التصلب سيضيع فرصته، وأن تعديلات تحديثية بسيطة ستكون أفيد له، إذ ستسمح بالجوهر - مادته المحمولة - بأن يكون لها مكان. لا يريد أن يصدق أبداً أنه هو أيضاً ابن نقطة في الزمن، ولو دامت لسابقيه ما وصلت إليه. إن كان هذا «الفلوبي ديسك» محمياً ذا سطوة ونفوذ، فالنتيجة أن تتوقف الكومبيوترات عن التطور لكي تناسبه، لا العكس. ويبقى المجتمع مثل كومبيوتر إصدار 97، تجاوزه العالم بمئات المرات.
الفن التنافسي ليس ثانوياً في حياتنا. وأنا أقصد أن أضيف نعت التنافسي إليه، لأنه يعبّر عن الطريقة الوحيدة لتصفيته. فن «البريميرليغ» ابن فن الدرجات الأولى والثانية والثالثة والرابعة. لا وجود لهذا بدون ذاك. وفي غياب «الفن التافه» لا صعود لمواهب جديدة تصل إلى القمة. بل سيحجز الفرص الضئيلة المتاحة من لهم طريقة «غير تنافسية» للوصول إليها، فيتحول الفن إلى مهنة لأبناء العاملين، أو منتج خطابي آخر.
من الجاز إلى الراي، ومن الراب إلى المهرجانات إلى التراب، من الفلكلور إلى الكلاسيكيات، بدأ الفن ونبت في أرض لم نعرف ماذا ستطرح. رُوي بماء واحد، هو الرغبة في التعبير عن تعقيداتنا الشخصية والاجتماعية والسياسية والاعتقادية، لكنّ ثمره مختلف الأُكل.
هنا نأتي إلى بيت القصيد، يُفترض أن يكون الفنانون والنقابات الفنية ومنتجو الفن طليعة هذا الفهم لدور المهنة التي اختاروا أن يتكسّبوا منها. لكننا صرنا نرى في تصريحات بعضهم وتصرفاته دليلاً إضافياً على فقر الفن في حياتنا، وعلى المزنق الذي وضعناه فيه، كأنه طفل يستحق التأديب أرسلناه إلى «النوتي كورنر»، وألزمناه أن يكتب ألف مرة «أنا مش حرام». بينما الفن جائزة للأمم، دلالة على اتساع اهتمامها، وعلى سعة فلسفتها الحياتية. الأمم التي تهشّه كالذباب تحتاج إلى أن تغسل عينيها من آثار النوم.

شريط الأخبار السعودية.. ظهور معتمر "عملاق" في الحرم المكي يشعل تفاعلا النائب أبو يحيى:حكومة الخصاونة تقمع النواب حجب 24 تطبيق نقل ذكي غير مرخص من متاجر التطبيقات في الأردن الاحتلال يواصل عدوانه على قطاع غزة لليوم 175.. أبرز التطورات أمطار رعدية متفرقة وأجواء متقلبة... حالة الطقس ليوم الجمعة إصابة 3 أشخاص بحادث تدهور في الحميمة - صور حادث سير بين 4 مركبات في عمان الأردن يرحب بقرار العدل الدولية بشأن الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد تل أبيب 120 ألفا أدوا صلاتي العشاء والتروايح في الأقصى 8 مليارات دقيقة مدة مكالمات الأردنيين في 3 أشهر العيسوي يشارك في تشييع جثمان مدير المخابرات الأسبق طارق علاء الدين "نُفذت بسلاح السلطة".. كشف هوية منفذ عملية الأغوار هؤلاء هم أطفال غزة! المقاومة الفلسطينية تعجز جيش الاحتلال قوات الاحتلال أعدمت 200 فلسطيني داخل مستشفى الشفاء مستشار قانوني: جميع مخالفات قانون العمل مشمولة بالعفو العام ارتفاع الإيرادات المحلية أكثر من 310 ملايين دينار خلال العام الماضي البنك الدولي يجري تقييما لشبكة خطوط تغذية الحافلات سريعة التردد في الأردن جيش الاحتلال يعلن إصابة 8 جنود في معارك غزة الأردن وإيرلندا يؤكدان ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن الداعي لوقف إطلاق النار في غزة