والثانية لامرأة ذابلة طاعنة في السن على كرسي متحرك أمام نفس المنزل والسور.
ويقول الشرح المكتوب بالإنجليزية ما ترجمته: «امرأة أمام منزلها المسروق في القدس الغربية بعد 70 سنة لاحقاً».
لا أجزم بصحة الصورة وما إذا كانت للسيدة نفسها. لكن القصة مألوفة جداً. سوف يذهب فلسطيني من الضفة أو زائر من المنفى ليتفقد بيته الذي ولد فيه أو عاش فيه -من الخارج طبعاً لأنه يحتله مستوطن سارق. ما «الحل العادل» بالنسبة لهذه السيدة وهؤلاء المنفيين؟
سوف يجيبك الفلسطينيون، المنسجمون مع تاريخهم وحقائق قضيتهم، وكل صاحب ضمير يستعرض قضيتهم بتفاصيلها الموثّقة جيداً، أن الحل العادل هو استعادة هذه المرأة الفلسطينية وكل الذين يشتركون معها في الخبرة المؤلمة منازلهم وحريتهم في وطن آبائهم وأجدادهم، وإنهاء الكيان الذي يُدعى «دولة إسرائيل». ومتى هذه ستكون عدالة ناقصة: ما الذي يعوّض عمر المرأة المهدور الذي ضاع في التشرد والغربة والعذاب والمنفى؟
في التعريف الصافي للعدالة -الذي لا يضعه أصحاب المصلحة أو بائعو الضمير، ولا يتذرع بـ»الأمر الواقع»- ينبغي إعادة الأشياء إلى أصحابها ومعاقبة السارق. وفي حالة الاستعمار، العدالة فقط هي تحرُّر الشعوب المحتلة من المستعمِر ورحيله عن أوطانها، وإعادة ما لَها إليها.
وقد تحققت هذه العدالة، ربما جزئياً باعتبار التداعيات المطوّلة والآلام التي لا تُشفى، برحيل المستعمرِين عن ظهور الشعوب المستعبدة وانسحابهم إلى مراكزهم الإمبريالية -إلا في ثلاث حالات ظلم تاريخية: الاستعمار الأوروبي لأميركا الشمالية؛ والاستعمار الأوروبي أيضاً لأستراليا؛ والاستعمار الصهيوني لفلسطين. والمشترك بين هذه الاستعمارات أنها استيطانية-إحلالية، أشرفت عليها مشاريع من غير الدول، قوامها تعبئة مستوطنين مجلوبين من مختلف الجنسيات، والتي وضعت نفسها في موضع: لا عودة إلى الوراء؛ أكون أو لا أكون؛ صراعي مع أصحاب الأرض الأصليين وجودي، إما أنا أو هم.
لم تكن هناك دول قامت بالغزو والاستعمار اسمها «أميركا»، أو «أستراليا» أو «إسرائيل». كل هذه «مشاريع» تسمت باسم المناطق التي احتلتها. وكان أساسها جميعاً التطهير العرقي للشعوب الأصلية وإبادتها ما أمكن، وعزل المتبقين منها في «محميات» على طريق إلغائهم.
كان الذي ميز فلسطين (وجنوب إفريقيا أيضاً) هو أن المستعمرين-المستوطنين لم يتمكنوا من إبادة الشعوب الأصلية واجتياحها عددياً وثقافياً -رغم الجهود التي بُذلت لتحقيق ذلك. وفي حالة فلسطين، عندما بدأ المشروع الاستعماري-الاستيطاني الصهيوني، كان الشعب الفلسطيني متحضراً جداً بمقاييس الزمنوالمنطقة. كانت له بنية تحتية متطورة ومواصلات وتعليم ومؤسسات اقتصاديةوثقافية وتنظيم إداري، وخبرة في مقاومة الاستعمار، بغض النظر عن مدى نجاح تلك المقاومة أمام المحتل البريطاني الغاشم. ولم يتمكن المشروع الصهيوني من إلغاء هذه المنجزات كما فعل المستوطنون في أميركا وأستراليا مع الشعوب الأصلية شبه البدائية.
الآن، انسحبت إلى الهوامش الأصول الهمجية للكيانات التي أسست نفسها على موت الشعوب الأصلية في أميركا الشمالية وأستراليا -فقد خفتت أصوات تلك الشعوب واختُزل وجودها. وبذلك، أُهمِل مبدأ العدالة القاضي بوجوب استعادة هذه الشعوب أوطانها وحكم أنفسها.
ليس واقع حال فلسطين. ما يزال الفلسطينيون، أصحاب فلسطين التاريخية، موجودين بقوة. وعددهم في الوطن والشتات أكبر وارتباطهم العضوي بوطنهم أقوى بما لا يقاس من المستوطنين الغرباء. وصوتهم لم يخفت وعواطفهم لم تبرد، وتمسكهم بهويتهم لم يهِن. والعنصر الوحيد الذي يجعل الأمور في فلسطين اليوم ما هي، هو القوة المادية الطاغية للعدو ومناصريه الإمبرياليين. وهو ظرف قابل للتغير.
لذلك، لا يمكن أن يكون «الحل العادل والشامل» لقضية الفلسطينيين هو التمنُّن عليهم بكانتونات مقطّعة فاقدة الصلاحيات وسبل الحياة على أقل من ربع وطنهم التاريخي، وعودة عدد رمزي منهم تحت حكم المستعمر العنصري في المساحة الساحقة من الأرض الفلسطينية. قد يُسمى هذا الحل بـ»الممكن»، «المتاح»، «المرحلي»، «أفضل ما يمكن تحصيله حالياً»، لكن من التجني الفاضح على العدالة تسمية المعروض على الفلسطينيين، حتى لو تحقق بشكله المثالي، بأنه «الحل العادل والشامل والنهائي للقضية الفلسطينية». إن هذه «العدالة» لا تعني سوى إلحاق ظلم بأبعاد فلَكية وخال من الضمير بالشعب الفلسطيني المنكوب وسلبه حقه -ووجوده نفسه- والمشاركة في ذبحه.
لا أجزم بصحة الصورة وما إذا كانت للسيدة نفسها. لكن القصة مألوفة جداً. سوف يذهب فلسطيني من الضفة أو زائر من المنفى ليتفقد بيته الذي ولد فيه أو عاش فيه -من الخارج طبعاً لأنه يحتله مستوطن سارق. ما «الحل العادل» بالنسبة لهذه السيدة وهؤلاء المنفيين؟
سوف يجيبك الفلسطينيون، المنسجمون مع تاريخهم وحقائق قضيتهم، وكل صاحب ضمير يستعرض قضيتهم بتفاصيلها الموثّقة جيداً، أن الحل العادل هو استعادة هذه المرأة الفلسطينية وكل الذين يشتركون معها في الخبرة المؤلمة منازلهم وحريتهم في وطن آبائهم وأجدادهم، وإنهاء الكيان الذي يُدعى «دولة إسرائيل». ومتى هذه ستكون عدالة ناقصة: ما الذي يعوّض عمر المرأة المهدور الذي ضاع في التشرد والغربة والعذاب والمنفى؟
في التعريف الصافي للعدالة -الذي لا يضعه أصحاب المصلحة أو بائعو الضمير، ولا يتذرع بـ»الأمر الواقع»- ينبغي إعادة الأشياء إلى أصحابها ومعاقبة السارق. وفي حالة الاستعمار، العدالة فقط هي تحرُّر الشعوب المحتلة من المستعمِر ورحيله عن أوطانها، وإعادة ما لَها إليها.
وقد تحققت هذه العدالة، ربما جزئياً باعتبار التداعيات المطوّلة والآلام التي لا تُشفى، برحيل المستعمرِين عن ظهور الشعوب المستعبدة وانسحابهم إلى مراكزهم الإمبريالية -إلا في ثلاث حالات ظلم تاريخية: الاستعمار الأوروبي لأميركا الشمالية؛ والاستعمار الأوروبي أيضاً لأستراليا؛ والاستعمار الصهيوني لفلسطين. والمشترك بين هذه الاستعمارات أنها استيطانية-إحلالية، أشرفت عليها مشاريع من غير الدول، قوامها تعبئة مستوطنين مجلوبين من مختلف الجنسيات، والتي وضعت نفسها في موضع: لا عودة إلى الوراء؛ أكون أو لا أكون؛ صراعي مع أصحاب الأرض الأصليين وجودي، إما أنا أو هم.
لم تكن هناك دول قامت بالغزو والاستعمار اسمها «أميركا»، أو «أستراليا» أو «إسرائيل». كل هذه «مشاريع» تسمت باسم المناطق التي احتلتها. وكان أساسها جميعاً التطهير العرقي للشعوب الأصلية وإبادتها ما أمكن، وعزل المتبقين منها في «محميات» على طريق إلغائهم.
كان الذي ميز فلسطين (وجنوب إفريقيا أيضاً) هو أن المستعمرين-المستوطنين لم يتمكنوا من إبادة الشعوب الأصلية واجتياحها عددياً وثقافياً -رغم الجهود التي بُذلت لتحقيق ذلك. وفي حالة فلسطين، عندما بدأ المشروع الاستعماري-الاستيطاني الصهيوني، كان الشعب الفلسطيني متحضراً جداً بمقاييس الزمنوالمنطقة. كانت له بنية تحتية متطورة ومواصلات وتعليم ومؤسسات اقتصاديةوثقافية وتنظيم إداري، وخبرة في مقاومة الاستعمار، بغض النظر عن مدى نجاح تلك المقاومة أمام المحتل البريطاني الغاشم. ولم يتمكن المشروع الصهيوني من إلغاء هذه المنجزات كما فعل المستوطنون في أميركا وأستراليا مع الشعوب الأصلية شبه البدائية.
الآن، انسحبت إلى الهوامش الأصول الهمجية للكيانات التي أسست نفسها على موت الشعوب الأصلية في أميركا الشمالية وأستراليا -فقد خفتت أصوات تلك الشعوب واختُزل وجودها. وبذلك، أُهمِل مبدأ العدالة القاضي بوجوب استعادة هذه الشعوب أوطانها وحكم أنفسها.
ليس واقع حال فلسطين. ما يزال الفلسطينيون، أصحاب فلسطين التاريخية، موجودين بقوة. وعددهم في الوطن والشتات أكبر وارتباطهم العضوي بوطنهم أقوى بما لا يقاس من المستوطنين الغرباء. وصوتهم لم يخفت وعواطفهم لم تبرد، وتمسكهم بهويتهم لم يهِن. والعنصر الوحيد الذي يجعل الأمور في فلسطين اليوم ما هي، هو القوة المادية الطاغية للعدو ومناصريه الإمبرياليين. وهو ظرف قابل للتغير.
لذلك، لا يمكن أن يكون «الحل العادل والشامل» لقضية الفلسطينيين هو التمنُّن عليهم بكانتونات مقطّعة فاقدة الصلاحيات وسبل الحياة على أقل من ربع وطنهم التاريخي، وعودة عدد رمزي منهم تحت حكم المستعمر العنصري في المساحة الساحقة من الأرض الفلسطينية. قد يُسمى هذا الحل بـ»الممكن»، «المتاح»، «المرحلي»، «أفضل ما يمكن تحصيله حالياً»، لكن من التجني الفاضح على العدالة تسمية المعروض على الفلسطينيين، حتى لو تحقق بشكله المثالي، بأنه «الحل العادل والشامل والنهائي للقضية الفلسطينية». إن هذه «العدالة» لا تعني سوى إلحاق ظلم بأبعاد فلَكية وخال من الضمير بالشعب الفلسطيني المنكوب وسلبه حقه -ووجوده نفسه- والمشاركة في ذبحه.