مؤخراً، ومن خلال زيارتي للعاصمة القطرية الدوحة، اطلعت على دراسة مهمة للباحث علي عبد القادر علي، يتحدث بها عن تفاصيل التحول الاقتصادي الهيكلي الذي حدث في الدول العربية التي حققت معدلا غير سالب لنمو الدخل الحقيقي للفرد، وذلك من خلال تحديد نصيب القطاعات الإنتاجية في الناتج المحلي الإجمالي. توضح القراءة المتأنية للدراسة أنه لم تتمكن أي من الدول العربية من تحقيق تحول هيكلي يعتد به، بمعنى أنه لم تتمكن أي من هذه الدول من مقابلة الشروط التقليدية للتحول الهيكلي. وتعني هذه الملاحظة الأخيرة أن ما حدث من تحولات في هياكل الاقتصادات العربية كان تحولات مشوهة، تتفاوت مصادرها في ما بين الدول.
ويمكننا رصد هذه التشوهات على النحو الآتي: أولاً، تحول هيكلي مشوه في قطاع الصناعات التحويلية، ويقصد به أن نصيب كل من قطاعي الزراعة والخدمات والقطاع الفرعي للصناعة التحويلية استوفت شروط التحول الهيكلي، إلا أن نصيب قطاع الصناعة لم يزد، أو ينخفض، خلال فترة الدراسة الممتدة لعشرين عاما، ويندرج تحت هذا النمط من التشوه تجربة كل من الإمارات، البحرين، تونس التي انخفض فيها نصيب قطاع الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي، والبحرين.
ثانياً، التحول الهيكلي المشوه في الزراعة، ويقصد به أن كلا من قطاعي الزراعة والصناعة والقطاع الفرعي للصناعة التحويلية استوفت شروط التحول الهيكلي، إلا أن نصيب قطاع الخدمات لم يزد، أو انخفض، بين عامي الدراسة، وتندرج تحت هذا النمط من التشوه تجربة خمس دول هي الأردن (التي انخفض فيها نصيب قطاع الخدمات من حوالي 69 في المائة من الناتج في العام 1985 إلى حوالي 65 في المائة في العام 2008)، والسعودية (من حوالي 55 في المائة إلى حوالي 28 في المائة)، والسودان (من 50 في المائة إلى 40 في المائة)، وعمان (من 38 في المائة إلى 23 في المئة)، ومصر (من 53 في المائة إلى 49 في المائة).
تخلص الدراسة لحقيقة مهمة، أكدناها أكثر من مرة في هذه المساحة، أنه على مستوى الاقتصاد الكلي يجب النظر للميزة التنافسية للقطاعات في كل دولة، ومقدار مساهمتها بالناتج الكلي ونسبة تشغيل كل قطاع للأيدي العاملة. هذا يعني تحديد تقليل لكلف الإنتاج وتعزيز جانب التخصص، ما يخلق فرصاً اقتصادية متزايدة.