ليست مصادفة ان محاكمة الفاسدين هي المهمة الاساسية المطروحة على جدول اعمال الحراك الشعبي. ففي هذه المهمة بالذات, تتجسد كل مرامي الاحتجاج على تدهور وضع الفئات الشعبية من الاكتفائية المميزة لسيكولوجية المواطن الاردني, وما يرتبط بها من تقاليد الستر والكرامة والمحترمية, الى الفقر والفقر المدقع والقلق المتنامي من التردي الاجتماعي لدى الفئات الوسطى لصالح الصعود غير المبرّر لطبقة جديدة من الاثرياء الذين احتكروا الثروة والنفوذ.
في الوعي الشعبي يرتبط الفساد الكبير بالنيوليبراليين الذين يسميهم الشعب ساخرا ب" الديجيتال". وهذا الربط صحيح بصورة جوهرية. فالنيوليبرالية...
(1)تعادي الدولة والاجراءات البيروقراطية والقيود الدستورية والقانونية, باعتبارها جميعا من معيقات " النمو" الذي يتطلب تسريعه, وفق النيوليبراليين, تجاوز " الجمود" الدولتي. وحالما يحدث ذلك, تبدا التجاوزات الادارية والمالية وينفتح المجال واسعا للفساد والافساد,
(2) وتؤمن بالخصخصة كعقيدة شاملة لا كضرورة فنية, مما يتطلب التخلّص من المؤسسات الاقتصادية الحكومية وموجودات الدولة من دون قيود. فالخصخصة, عند النيوليبراليين, مهمة عاجلة للتخلص من دور الدولة الاقتصادي, وليست برنامج معالجة مديدة لتكوين وتفعيل قطاع خاص وطني. وخلال التنفيذ المتعجل لمهمة الخصخصة تتحول في الواقع الى سلوك غير رشيد من البيع المتهاون والتفكيك غير المسؤول ولهفة التكييش. وفي كل ذلك مجال واسع للفساد والافساد,
(3) وتؤكد على اولوية المشاريع الكبرى بحجة قدرتها على تحريك وتسريع "النمو". وبما ان دور الدولة, عند النيوليبراليين, هو دور انسحابي, فانه من الطبيعي الا يتم استخدام موارد الدولة في مشاريع صناعية او زراعية , بل في مشاريع البنى التحتية غير اللازمة او الخدمية غير المتوافقة مع الاحتياجات الاقتصادية الوطنية او الاجتماعية. وفي هذا النوع من المشاريع الضخمة الموازنات المدارة خارج القيود البيروقراطية, فرص كبيرة للفساد والافساد,
(4)وتركّز على اولوية جذب الاستثمارات الاجنبية. وتفرض بهذا الشان حزمة من التسهيلات والاعفاءات المغرية للمستثمرين. وتلعب هذه الحزمة القانونية والادارية والاجرائية, دورا اساسيا في تعظيم مكانة الكمبرادور ( وكلاء المصالح الاجنبية) على حساب الدولة والبرجوازية المحلية. وينشئ هذا النهج, مجالا حيويا للفساد والافساد داخل الثلاثي المتشابك من المسؤولين والمستثمرين الاجانب والكمبرادور,
(5) ومن الواضح ان تلبية متطلبات النيوليبرالية المار ذكرها, تستوجب احلال رجال الاعمال محلّ محترفي السياسة في المناصب, او, بالمقابل, تحويل السياسيين الى رجال اعمال. وفي هذا المزج بين البزنس والنفوذ السياسي والامني, يتشكل الفساد كمنهج وكفئة اجتماعية تكمن في قلب الطبقة الجديدة من الحيتان والقطط السمان.
يدرك الوعي الشعبي, بصورة عفوية, التكوين الاجتماعي السياسي للفساد. ولذلك, تجد ان الحراك الشعبي لا يركّز على العناصر الجنائية لملفات الفساد, بل على رموزها السياسية. وهو اتجاه صحيح. فما هو جنائي يختص به القضاء, لكن ما هو سياسي من الفساد هو محور السجال. ولذلك, فان محاكمة الفاسدين ينبغي ان تتحول الى محاكمة للنيوليبرالية بمجملها, واعلان فشلها والتخلي عنها. واذا لم يحدث هذا, فان وجبة جديدة من كبار الفاسدين ستظهر كل خمس سنوات, ذلك ان النيوليبرالية هي بذاتها ماكنة لانتاج الفساد..
في الوعي الشعبي يرتبط الفساد الكبير بالنيوليبراليين الذين يسميهم الشعب ساخرا ب" الديجيتال". وهذا الربط صحيح بصورة جوهرية. فالنيوليبرالية...
(1)تعادي الدولة والاجراءات البيروقراطية والقيود الدستورية والقانونية, باعتبارها جميعا من معيقات " النمو" الذي يتطلب تسريعه, وفق النيوليبراليين, تجاوز " الجمود" الدولتي. وحالما يحدث ذلك, تبدا التجاوزات الادارية والمالية وينفتح المجال واسعا للفساد والافساد,
(2) وتؤمن بالخصخصة كعقيدة شاملة لا كضرورة فنية, مما يتطلب التخلّص من المؤسسات الاقتصادية الحكومية وموجودات الدولة من دون قيود. فالخصخصة, عند النيوليبراليين, مهمة عاجلة للتخلص من دور الدولة الاقتصادي, وليست برنامج معالجة مديدة لتكوين وتفعيل قطاع خاص وطني. وخلال التنفيذ المتعجل لمهمة الخصخصة تتحول في الواقع الى سلوك غير رشيد من البيع المتهاون والتفكيك غير المسؤول ولهفة التكييش. وفي كل ذلك مجال واسع للفساد والافساد,
(3) وتؤكد على اولوية المشاريع الكبرى بحجة قدرتها على تحريك وتسريع "النمو". وبما ان دور الدولة, عند النيوليبراليين, هو دور انسحابي, فانه من الطبيعي الا يتم استخدام موارد الدولة في مشاريع صناعية او زراعية , بل في مشاريع البنى التحتية غير اللازمة او الخدمية غير المتوافقة مع الاحتياجات الاقتصادية الوطنية او الاجتماعية. وفي هذا النوع من المشاريع الضخمة الموازنات المدارة خارج القيود البيروقراطية, فرص كبيرة للفساد والافساد,
(4)وتركّز على اولوية جذب الاستثمارات الاجنبية. وتفرض بهذا الشان حزمة من التسهيلات والاعفاءات المغرية للمستثمرين. وتلعب هذه الحزمة القانونية والادارية والاجرائية, دورا اساسيا في تعظيم مكانة الكمبرادور ( وكلاء المصالح الاجنبية) على حساب الدولة والبرجوازية المحلية. وينشئ هذا النهج, مجالا حيويا للفساد والافساد داخل الثلاثي المتشابك من المسؤولين والمستثمرين الاجانب والكمبرادور,
(5) ومن الواضح ان تلبية متطلبات النيوليبرالية المار ذكرها, تستوجب احلال رجال الاعمال محلّ محترفي السياسة في المناصب, او, بالمقابل, تحويل السياسيين الى رجال اعمال. وفي هذا المزج بين البزنس والنفوذ السياسي والامني, يتشكل الفساد كمنهج وكفئة اجتماعية تكمن في قلب الطبقة الجديدة من الحيتان والقطط السمان.
يدرك الوعي الشعبي, بصورة عفوية, التكوين الاجتماعي السياسي للفساد. ولذلك, تجد ان الحراك الشعبي لا يركّز على العناصر الجنائية لملفات الفساد, بل على رموزها السياسية. وهو اتجاه صحيح. فما هو جنائي يختص به القضاء, لكن ما هو سياسي من الفساد هو محور السجال. ولذلك, فان محاكمة الفاسدين ينبغي ان تتحول الى محاكمة للنيوليبرالية بمجملها, واعلان فشلها والتخلي عنها. واذا لم يحدث هذا, فان وجبة جديدة من كبار الفاسدين ستظهر كل خمس سنوات, ذلك ان النيوليبرالية هي بذاتها ماكنة لانتاج الفساد..