أخبار البلد ـ عندما يتم إجراء 12 تعديلًا على قانون العمل، خلال فترة لا تتجاوز الـ25 عامًا، فإن ذلك دليل، لا مجال للشك فيه، على أن هناك مشكلة متشعبة الأطراف، تتقاذفها أكثر من جهة، وكل جهة تضع اللوم على الأخرى، وبالمحصلة يبقى المواطن، كالعادة، الحلقة الأضعف، التي تذوق الأمرين، جراء تلك التعديلات التي تحصل على القوانين بشكل عام، ناهيك عما يُعانيه بفعل قرارات وإجراءات حكومية.
لا يقل قانون العمل أهمية عن قانوني الانتخاب والأحزاب، فإذا كان الأخيران يتحدثان عن إصلاح ديمقراطي وسياسي، يقود بالنهاية إلى برلمانات وحكومات حزبية، فإن الأول يتحدث عن عملية اقتصادية اجتماعية، متكاملة، ضمن حلقات مترابطة فيما بينها، وكأنها حلقة واحدة.. فهو من ناحية يُنظم سوق العمل، ومن ناحية ثانية يضمن ويُحافظ على حقوق العمال، أي بمعنى ثان يحفظ حقوق المواطنين، فالغالبية العظمى من الأردنيين يعملون بوظائف تتبع قانون العمل، باسثتناء من هم في القطاع العام، الذي يتبع قانون الخدمة المدنية، وأولئك الذين يخدمون في الجيش العربي والأجهزة الأمنية المختلفة.
أمر طبيعي جدًا، أن يتم إجراء أكثر من تعديل على القوانين، كل فترة وأخرى، وبالأخص إذا كان كقانون العمل، الذي يؤثر على نسبة كبيرة من أبناء المجتمع الأردني، سواء أكانوا أفرادًا أم منشآت وأصحابها، خصوصًا في ظل ما يحصل من تطورات بسوق العمل، وتأزم للأوضاع الاقتصادية، وازدياد لأعداد العمال، وكذلك تنوع قطاعات العمل.. فـ25 عامًا تُعتبر مدة طويلة، تغيرت فيها نظرة الدول، خاصة المتقدمة والصناعية منها، تجاه التشريعات الاقتصادية، وما يترتب عليها من آثار اجتماعية، قد تُصيب في مقتل بحال بقيت بلا تعديلات، يكون هدفها العامل وصاحب العمل، على حد سواء.
لكن، ما هو غير طبيعي، ومستهجن، أن يتم التعديل بشكل سنوي، وفي بعض الأحيان يتم إجراء التعديل بعد مضي نحو ستة أشهر على آخر تعديل تم القيام به، فضلًا عن أن التعديلات لم تكن شاملة، ولم تضع يدها على الجرح، وكأن الموضوع عبارة عن سلعة تُباع بشكل مجزأ، أو تُناقش وتُعدل على حسب مزاج أناس، همهم الأول والأخير مصالحهم الشخصية فقط.
وما يدعو للاستغراب أيضًا، إجراء تعديل على مادة ما، ثم التراجع عن ذلك في تعديل لاحق، فمثلًا تارة يتم الإبقاء على استثناء عمال المنازل والزراعة من أحكام قانون العمل، وتارة ثانية يُلزم تعديل جديد هذه الفئة باستصدار تصاريح عمل، وثالثة يتم تحديد فئات عمال الزراعة، الذين تم استثناؤهم من القانون… وهكذا!.
وللأسف، فإن الطرفين، سواء كانت الحكومات المتعاقبة أو الجهات المعنية كبعض منظمات المجتمع المدني، لا يقيمون وزنًا للتحديات المتعلقة بالسلم والأمن الاقتصادي والاجتماعي، والتي من المتوقع أن تواجه الأردن، في المستقبل القريب.. ففي الوقت الذي كانت تُركز فيه الحكومات، على بعض المواد بقانون العمل، التي تختص بزيادة الرسوم والمخالفات، كان ممثلون عن تلك المنظمات يركزون على مواد تتعلق بموضوع التحرش الجنسي في العمل، والسماح للمرأة بالعمل في أوقات غير مُحددة.
وللإنصاف، وحتى لا يتم وسم منظمات المجتمع المدني بتلك الصفة، فإنها كانت دومًا مهمتة بحقوق العمال كافة، من قبيل توفير الحمايات الاجتماعية الضرورية وكذلك القانونية اللازمة للعاملين، وتأمين القواعد الأساسية لحقوق العمل، كضرورة توفير ظروف عمل ملائمة، وساعات عمل طبيعية، لا تتجاوز الحد المسموع به.
ويبقى السؤال، متى سنتمكن من إقرار قانون عمل عصري توافقي، يُواكب التطور الحاصل في سوق العمل؟