دأب البعض على «شيطنة» العشائر من خلال اتهامها بأنها تقف ضد سيادة القانون والدولة المدنية والتطور الديمقراطي، لكن هذا الادعاء يفتقر للدقة، ولا يستند إلى أدلة لإثباته لطالما كانت العشائرية نظاما اجتماعيا اقتصاديا منذ زمن طويل حتى تبدلت جراء تغيير العالم ولكنها لم تبتعد عن صورتها التأسيسية الأولى.
فالديمقراطية العريقة هي نتاج لعملية تراكمية وتحتاج إلى الانخراط في انتخابات طويلة وممتدة لعشرات السنوات ربما للوصول إلى تجويدها ومخرجات فضلى بالتوازي مع تغير قوانين الانتخاب بما يخدم المصلحة الوطنية العليا.
الانتخابات التي تجري لدى العشائر الأردنية في هذه الأيام، لا تخالف الدستور الأردني ولا القانون النافذ بل تساعد في توجيه بوصلة المواطنين نحو هدف سامٍ في ظل غياب وضعف معظم الأحزاب السياسية في البلاد والتحديات الاقتصادية والسياسية الصعبة القائمة إضافة إلى وباء كورونا.
إن مؤسسة العشائر في الأردن، لطالما كانت صمام الأمان للنظام والدولة، ككيانات تعيش الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للبلاد، وينعكس عليها الواقع الاقتصادي الضعيف من تآكل الأجور ومحدودية الدخل وتضاعف الدين العام، وانتشار الفساد، ولديهم مطالب بالإصلاح السياسي والاقتصادي، ومحاربة الفساد والعدالة في توزيع مكاسب التنمية، خصوصاً أن جزءاً كبيرا منهم يعتمد في حياتهم على الزراعة وتربية المواشي والوظائف المدنية والعسكرية.
إن التجارب النيابية السابقة أفرزت نواباً من خلفيات عشائرية (أكاديميين بالجامعات ورجال أعمال، وأطباء، وضباط متقاعدين..) قدموا أداءً مميزاً وبنفس الوقت فإن نواباً قدموا من خلفيات سياسية كان أداؤهم لا يلبي الطموح ولا يعكس الخلفية القادم منها ولم يستطيعوا ترجمة برامجهم السياسية أو الاقتصادية، في إدارة البلاد، ولا نغيب بأن بعض الإجماعات العشائرية أتت بنوابٍ لم يلبوا الطموح.
نعمل في فريق كبير من آلاف الراصدين نفذ عمليات رصد للانتخابات المختلفة منذ أزيد من 15 عاماً ورصدنا مخرجات مجالس النواب، وتبين لنا أن عددا قليلاً جداً من هذه الاجماعات يصمد حتى النهاية، حيث يتفكك الاجماع العشائري قبل الوصول إلى الصندوق وقليل جداً منها ما يصمد حتى يوم الاقتراع ويفرز نائباً.
وبناءً على ما سبق يجب النظر إلى تلك الاجماعات العشائرية، من منظار تجويد العملية الانتخابية وإفراز نواب يحتاجهم الوطن وضرورة تعزيز مراقبة «نائب الاجماع» وأدائه تحت القبة تمهيداً لمحاسبته منذ لحظات الفوز بالمقعد وليس في الانتخابات اللاحقة.
ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن انعكاسات جائحة كورونا قد يكون لها أثر في تعزيز مثل هذه الإجماعات خصوصاً أن الناس عندما تشعر بالخطر دوماً ما تعزز لا إرادياً روابط الدم والجغرافيا والديمغرافيا.