فقد الأردن الأسبوع الماضي أحد أيقونات الطب، ونجماً أضاء سماء عمان على مدى عقود، وطبيباً ساهم في وضع الأردن على خريطة التميز في الرعاية الطبية على مستوى المنطقة بل والعالم، إنه المرحوم الدكتور زيد الكيلاني.
كُثر هُم الأطباء المميزون في بلدنا لكن الدكتور زيد تجاوز التميز الفردي إلى الارتقاء بمستوى القطاع الطبي الأردني برمته، فقد كان سباقاً الى استحداث كل جديد، مما خوله أن يتبوأ موقعاً يؤهله لوضع معايير التميز في القطاع الطبي فيما يتسابق الجميع للحاق به فقد كان رحمه الله يكره الرخص في كل شيء ولم يكن يعرض عليه خياران ألا اختار أفضلهما بغض النظر عن كلفته المادية.
لم تكن حياة الدكتور زيد بالسهلة أبداً، فهو الذي خبر الفقر ومرارة اللجوء طفلا ، ثم الاعتماد على النفس يافعا عندما وجد نفسه مضطرا للعمل في المصانع والمطابخ لتأمين تكاليف دراسته الجامعية وهو ما جعله أشد عوداً وعصياً على الإنكسار أمام الرياح الشديدة التي واجهته لاحقا.
لقد اختار الدكتور زيد اقتحام مضمار صعب وشائك لم يكن لأحد لا يمتلك عناده وتصميمه أن يفكر حتى بالاقدام على خوض غماره، واعني هنا ما يعرف بأطفال الأنابيب أو المساعدة على الإخصاب، وهو المجال الشائك المليء بالمطبات والوصمات في مجتمع لم يكن مهيأ بعد لتقبل هذه الفكرة، فقد نصحه الأصدقاء والمحبون أن ينأى بنفسه عن هذا المجال، واستهزأ به المرجفون وأصحاب الرؤى الضيقة، لكن تصميم الدكتور زيد كان أكبر من أن يحده عائق.
لقد تمكن برؤيته الثاقبة وتصميمه العنيد من أن يجتاز العقبات المادية وأن يكسب تأييد رأي الشرع من خلال مفت مستنير، اقصد هنا المرحوم الشيخ عزالدين الخطيب التميمي، وكانت هذه خطوة ذكية تحسب للدكتور زيد لأنه كان يعي أن أول ما يلجأ إليه الإنسان في مواجهة المواضيع الشائكة والخلافية هو الدين، وكان بإمكان فتوى خاطئة أن تئد المشروع في مهده.
لقد نجح الدكتور زيد من خلال عمله ومن بعده عمل زملاؤه الذين شجعهم نجاحه على التغلب على مخاوفهم في زرع الأمل في آلاف الأرحام القاحلة وأن يبعثوا الدفء من جديد بين جنبات آلاف المنازل على امتداد رقعة الوطن العربي.
يعلم الجميع الدور الريادي الذي لعبه الدكتور زيد في تأسيس تخصص المساعدة على الإخصاب في الأردن والمنطقة، لكن الأمر الذي يكاد يجهله الكثيرون هو دوره المحوري في تقديم الأردن كمقصد رئيسي للسياحة العلاجية، حيث جلبت سمعة الدكتور زيد بالإضافة الى سمعة عدد من الآباء المؤسسين لمهنة الطب في الأردن والتي جابت الآفاق، الآلاف من قاصدي العلاج من مختلف الدول العربية إلى الأردن، وبقي هذا التأثير طاغيا الى ان ضيعناه مؤخرا نتيجة ممارسات خاطئة وقرارات غير مدروسة.
لقد تكالبت على الدكتور زيد في سنوات عمره الأخيرة المتاعب الصحية، ثم كان الحريق الذي أتى على مستشفاه الوليد، لكنه نهض من بين الأنقاض ينفض عن نفسه الغبار ليعلن عن عدم استسلامه وعن تصميمه على متابعة مشروعه، ليظلّ وفياً لعناده القديم وتصميمه الذي لا يلين، وهنا أتمنى على أبنائه أن يتابعوا مسيرة الراحل الكبير بأن يبقى مستشفاه وفياً لاسمه وتقاليده في صناعة الفرح رغم الصعوبات التي لا تخفى على أحد.
رحل صانع الفرح
أخبار البلد - اخبار البلد-