يرى بعض المحللين الغربيين، من أمثال جراهام فولر، ان الإسلام بمصادره الأساسية لا يدلي بالكثير من التفاصيل حول الحوكمة الرشيدة ومؤسسات بناء الأمم.
وبرأيي فإن لهؤلاء وجهة نظر صائبة الى حد كبير فيما يتعلق بفقه الشورى، لكن هذه الفجوة المعرفية في الشورى ليست بسبب الإسلام بل من المسلمين (انظر مقال الكاتب: الشورى والديمقراطية: توضيحات وتقاطعات). أما خارج نطاق فقه الشورى، فإن رأي هؤلاء الباحثين الغربيين يمكن تفنيده الى حد كبير.
فولر نفسه اعترف لاحقا بأن السنة النبوية توفر اضاءات تفصيلية أكثر بالمقارنة مع القرآن الكريم الذي ركّز - كدستور- على المبادئ العليا في مجال الحوكمة العامة دون الممارسات
والمؤسسات التنفيذية.
وفي الواقع، توفر الهجرة والسيرة النبوية اللاحقة، وما تبعها من مبادرات نبوية كانت ذات نتائج ملموسة في بناء المجتمع، العديد من التنويرات حول الحوكمة الرشيدة واطارها المؤسسي، سواء في المجال التنموي أو غيره.
فوفقاً لحقل الممارسات التطبيقية Praxiology في السُّنة والسيرة النبوية، وعندما هاجر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام الى المدينة المنورة لبناء أمته الفتية، أعطى جل اهتمامه لبناء مؤسسات أخلاقية واجتماعية واقتصادية جديدة هي: (1) مؤسسة المسجد متكامل المنافع و(2) مؤسسة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار و(3) مؤسسة السوق الحرة والعادلة، مقابل بناء مؤسسة رسمية سياسية واحدة هي وثيقة أو دستور المدينة المنورة. ولم تتطلب هذه المبادرات التنموية أية منح أو قروض أو برامج خارجية.
ومن الملفت للانتباه أن كافة هذه المؤسسات تتسم بالتشاركية وعدم الإقصاء بدرجة أو بأخرى، تجسيداً للآية القرآنية (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ). فهي لا تحابي الانقسام بل تعزز الوحدة و»الخير مشترك» للمجتمع ككل. وهي تعزز من الترتيبات والحلول النافعة للجميع Win-Win Solutions.
كذلك، تستند معظم هذه المؤسسات الجديدة الى التوافق واللامركزية والتبادل وبناء الثقة وليس الى الشمولية والبيروقراطية والإذعان للتشريعات المُلزمة. وهي اجمالاً مؤسسات «غير رسمية» ولا يعتمد إنفاذها على القانون ربما باستثناء
وثيقة المدينة.
كما نلاحظ تنوع المؤسسات وتعددها وعدم حصرها بميدان دون آخر. فالمسجد هو مؤسسة التفاعل الروحي والاجتماعي المتكرر وبناء «اسمنت المجتمع» ورأس المال الأخلاقي والاجتماعي تجسيداً للحديث النبوي: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق». والمؤاخاة بدورها كانت مؤسسة اجتماعية فريدة من نوعها تاريخياً لبناء المجتمع التشاركي والفتي ومحدود الموارد عملاً بالآية: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ».
أما السوق، فتشكل تأكيداً نبوياً لافتاً لأهمية المؤسسات الاقتصادية اللامركزية والمستقلة، ولأهمية اقتصاد السوق، حيث يشكل السوق الحر (مع الحسبة) مكاناً لتحقيق النمو التجاري والاقتصادي التشاركي، ودون هيمنة احتكارية من بعض جماعات المصالح الخاصة (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ). وتجدر الاشارة هنا ان الديمقراطية الليبرالية ترى في السوق الحر أحد دعائهما الاساسية في المحور الليبرالي.
ثم جاءت وثيقة المدينة التشاركية لتؤكد تعامل الإسلام العادل مع خصوصية المجتمعات متعددة الأديان وأهمية الوحدة
في اطار التنوع.
ومن الواضح ان تعاضد المؤسسات الأربع السابقة يقوي ويضاعف من تأثيرها التنموي المنفرد، لأن «الكل» ليس مجرد تجميع «الأجزاء» حسب مدخل النظم الحديث. فالمسجد يدعم استدامة المؤاخاة وأخلاقية السوق، والوثيقة تعزز الوحدة والسلام مما ينعكس ايجاباً على الثقة بالسوق. والمؤاخاة والسوق المزدهر تقي المجتمع من الجوع فيتعزز الأمن الاجتماعي (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ). وهكذا إنها نهضة متكاملة.
وبرأيي فإن لهؤلاء وجهة نظر صائبة الى حد كبير فيما يتعلق بفقه الشورى، لكن هذه الفجوة المعرفية في الشورى ليست بسبب الإسلام بل من المسلمين (انظر مقال الكاتب: الشورى والديمقراطية: توضيحات وتقاطعات). أما خارج نطاق فقه الشورى، فإن رأي هؤلاء الباحثين الغربيين يمكن تفنيده الى حد كبير.
فولر نفسه اعترف لاحقا بأن السنة النبوية توفر اضاءات تفصيلية أكثر بالمقارنة مع القرآن الكريم الذي ركّز - كدستور- على المبادئ العليا في مجال الحوكمة العامة دون الممارسات
والمؤسسات التنفيذية.
وفي الواقع، توفر الهجرة والسيرة النبوية اللاحقة، وما تبعها من مبادرات نبوية كانت ذات نتائج ملموسة في بناء المجتمع، العديد من التنويرات حول الحوكمة الرشيدة واطارها المؤسسي، سواء في المجال التنموي أو غيره.
فوفقاً لحقل الممارسات التطبيقية Praxiology في السُّنة والسيرة النبوية، وعندما هاجر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام الى المدينة المنورة لبناء أمته الفتية، أعطى جل اهتمامه لبناء مؤسسات أخلاقية واجتماعية واقتصادية جديدة هي: (1) مؤسسة المسجد متكامل المنافع و(2) مؤسسة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار و(3) مؤسسة السوق الحرة والعادلة، مقابل بناء مؤسسة رسمية سياسية واحدة هي وثيقة أو دستور المدينة المنورة. ولم تتطلب هذه المبادرات التنموية أية منح أو قروض أو برامج خارجية.
ومن الملفت للانتباه أن كافة هذه المؤسسات تتسم بالتشاركية وعدم الإقصاء بدرجة أو بأخرى، تجسيداً للآية القرآنية (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ). فهي لا تحابي الانقسام بل تعزز الوحدة و»الخير مشترك» للمجتمع ككل. وهي تعزز من الترتيبات والحلول النافعة للجميع Win-Win Solutions.
كذلك، تستند معظم هذه المؤسسات الجديدة الى التوافق واللامركزية والتبادل وبناء الثقة وليس الى الشمولية والبيروقراطية والإذعان للتشريعات المُلزمة. وهي اجمالاً مؤسسات «غير رسمية» ولا يعتمد إنفاذها على القانون ربما باستثناء
وثيقة المدينة.
كما نلاحظ تنوع المؤسسات وتعددها وعدم حصرها بميدان دون آخر. فالمسجد هو مؤسسة التفاعل الروحي والاجتماعي المتكرر وبناء «اسمنت المجتمع» ورأس المال الأخلاقي والاجتماعي تجسيداً للحديث النبوي: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق». والمؤاخاة بدورها كانت مؤسسة اجتماعية فريدة من نوعها تاريخياً لبناء المجتمع التشاركي والفتي ومحدود الموارد عملاً بالآية: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ».
أما السوق، فتشكل تأكيداً نبوياً لافتاً لأهمية المؤسسات الاقتصادية اللامركزية والمستقلة، ولأهمية اقتصاد السوق، حيث يشكل السوق الحر (مع الحسبة) مكاناً لتحقيق النمو التجاري والاقتصادي التشاركي، ودون هيمنة احتكارية من بعض جماعات المصالح الخاصة (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ). وتجدر الاشارة هنا ان الديمقراطية الليبرالية ترى في السوق الحر أحد دعائهما الاساسية في المحور الليبرالي.
ثم جاءت وثيقة المدينة التشاركية لتؤكد تعامل الإسلام العادل مع خصوصية المجتمعات متعددة الأديان وأهمية الوحدة
في اطار التنوع.
ومن الواضح ان تعاضد المؤسسات الأربع السابقة يقوي ويضاعف من تأثيرها التنموي المنفرد، لأن «الكل» ليس مجرد تجميع «الأجزاء» حسب مدخل النظم الحديث. فالمسجد يدعم استدامة المؤاخاة وأخلاقية السوق، والوثيقة تعزز الوحدة والسلام مما ينعكس ايجاباً على الثقة بالسوق. والمؤاخاة والسوق المزدهر تقي المجتمع من الجوع فيتعزز الأمن الاجتماعي (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ). وهكذا إنها نهضة متكاملة.