من دون معرفة تفاصيل اللقاء الذي عُقد بين رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز ، ورئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة بمشاركة عدد من النواب والوزراء ، فإن التشاور على هذا المستوى من المسؤوليات المشتركة ، أمر جيد ، وحسب عدد من التقارير الصحفية فقد تم التطرق إلى الحلول والبرامج لتخفيف الأعباء المعيشية على المواطنين ، وتحقيق شراكة فاعلة بين القطاعين العام والخاص ، التي وصفها رئيس مجلس النواب بأنها ضعيفة ، فضلاً عن التحضير للملتقى الاقتصادي البرلماني الأردني .
مشاركة عدد كبير من الأطراف ذات العلاقة بالمنظومة الاقتصادية ، يدل على نوع من المراجعة اللازمة في هذا الوضع الصعب والمعقد ، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الأردن يعاني مثلما تعاني جميع الدول النامية في العالم من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية منذ عام 2009 ، ومن بوادر أزمة اقتصادية يُجمِع الخبراء الدوليون على أنها قادمة لا محالة ، بل إنهم بدأوا بالعد التنازلي لوقوعها ، في ضوء الحرب التجارية القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين ، وانعدام التوازنات في الاقتصاد الأوروبي ، بل والحرب الصامتة نسبيا بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا ، وبينها وبين إيطاليا واليونان ، وكذلك الحرب القائمة بين الحكومات وأحزاب المعارضة والقوى العمالية في معظم دول الاتحاد الأوروبي .
قضية المديونية العالمية في حد ذاتها قنبلة موقوتة تهدد بأزمات مالية لم يسبق لها مثيل ، وأسواق المال الوهمية سيرتد سحرها على الساحر ، لقد لفّت خيوط اللعبة على أصحابها بدل أن تكون بين أيديهم من أجل فكها بشكل منظم ، وما من دولة في العالم حتى أمريكا والصين بمنأى عن هزات مفاجئة ، وما حدث في فرنسا على يد " حركة السترات الصفر " لترمز بعد ذلك في أماكن كثيرة من العالم إلى احتجاج على النظام الرأسمالي كله !
مطلوب من الدول كلها غنيها وفقيرها ، قويها وضعيفها أن تحصن نفسها من طوفان قادم ، وما يمكن اقتراحه على المستوى المحلي مهما بلغت عبقريته سيظل خيطا في كرة متشابكة ، ولكن ذلك لا يعني أننا لا نستطيع سحب أنفسنا ولو قليلا كي لا نختنق ، نحن اليوم نعرف أن أحد أسباب مشكلتنا هي الجهات الدولية التي تحاول حل مشكلتنا على طريقتها المرتبكة وسط نظام اقتصادي ومالي يتداعى من يوم لآخر !
ليس أمامنا من طريق سوى أن نعيد تنظيم خطواتنا ، ونبحث عن طريق آخر غير هذا الذي لم يعد يقودنا إلى اتجاه محدد ، وبعض المفاتيح بين أيدينا ، وأولها مفتاح التفكير والتخطيط والإدارة الإستراتيجية ، وحشد قدرات الدولة وإمكاناتها الذاتية ، وتفعيل قوى الإنتاج ، وكسر الحواجز التي تمنع تدفقه إلى دول الجوار العربي ، نحن بحاجة إلى مراجعة العلاقة بين السياسة والاقتصاد ، وأظن أننا أحوج ما نكون لسياسة تقود الاقتصاد ، وليس العكس !