مسؤولية الشركات الاجتماعية في رمضان .. هل من جديد؟!
هاني الحوراني
مركز الأردن الجديد للدراسات
يحتل شهر رمضان المبارك مكانه استثنائية في الأنشطة الاجتماعية للشركات الأردنية، حيث تتضاعف أعداد هذه الأنشطة في هذا الشهر، مقارنة بالأشهر الأخرى من العام، ولا تشذ مؤسسات القطاع الخاص في هذا الأمر عن بقية فئات المجتمع ومؤسساته الأخرى حيث تكثر الأخيرة من أعمال الخير، لارتباط شهر رمضان بفرائض وسلوكيات تحث على مساعدة الفقراء والأيتام والمحتاجين عموماً.
والواقع أن الممارسات الاجتماعية للشركات وعطائها الاجتماعي، في عالمنا العربي والاسلامي، كانت وستظل مرتبطة بدوافع وحوافز دينية، مصدرها الشريعة الاسلامية، اضافة إلى الحوافز الأخلاقية والممارسات الفضلى للمسؤولية الاجتماعية، والتي استقرت عليها التجربة العالمية للشركات.
ومع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك فان الشركات الأردنية تستعد لممارسة عطائها الاجتماعي بأشكال مختلفة، باتت مألوفة على مدار السنوات السابقة، لكن قلما تناولتها أقلام الباحثين بالرصد والتحليل، سواء لعدد هذه الأنشطة، أو طبيعتها، أو الفئات المستهدفة أو المستفيدة منها. وتحاول هذه المقالة استقراء العطاء الاجتماعي للقطاع الخاص الأردني خلال شهر رمضان، ليس فقط لالقاء الضوء على أهمية هذه الممارسات الاجتماعية ذات الحافز الديني والأخلاقي في هذا الشهر المميز بالعطاء، وانما أيضاً لاستنباط بعض الدروس والاستخلاصات من الممارسات السابقة، علها تفيد في مراجعتها، بأمل أن تتطور وتتسم بالاستدامة.
لقد تم جمع وتوثيق أبرز نشاطات القطاع الخاص الأردني الاجتماعية خلال شهر رمضان للسنوات الثلاث ألأخيرة 2008، 2009 و 2010. وقد شملت عملية توثيق هذه الأنشطة أسماء الشركات والمؤسسات، الجهات المستفيدة، طبيعة الأنشطة وأشكال الدعم المقدم، وأخيراً القطاعات الاجتماعية أو الفئات المستفيدة من هذه الأنشطة.
أما مصادر هذه البيانات فهي متنوعة، تجمع ما بين ما ينشر من أخبار وتقارير في الصحف اليومية، كذلك الأخبار الواردة في المواقع الالكترونية للشركات الداعمة، اضافة إلى صفحة "نادي الأعمال"، والتي تنشر بمعدل خمس مرات أسبوعياً (من الأحد وحتى الخميس) في صحيفة "الرأي"، وباتت مصدراً دائماً ورئيسياً لعملية رصد الأنشطة التي تندرج في اطار العطاء الاجتماعي للشركات، وأخيراً وليس آخراً التقارير السنوية للشركات، والتي تعد من أهم مصادر توثيق ممارسات المسؤولية الاجتماعية.
وغني عن البيان أنه رغم تنوع هذه المصادر، إلا أن الأرقام والبيانات المستمدة منها، لا توفر مسحاً شاملاً لأنشطة العطاء الاجتماعي للشركات، لكنها تقدم مؤشرات جدية وموثوقة، تساعد على تتبع الاتجاهات العامة للمسؤولية الاجتماعية لدى الشركات الأردنية.
وفيما يلي قراءة في البيانات المتوفرة عن الأنشطة المدعومة في الشركات الأردنية خلال شهر رمضان، للسنوات الثلاث السابقة؟!
1. التطور الكمي للأنشطة الاجتماعية للشركات في رمضان:
على الرغم من أن تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية خلال السنوات الثلاث 2008/ 2010 قد تركت اثارها السلبية على عدد أنشطة الشركات ذات الصلة بالمسؤولية الاجتماعية عموماً، حيث انخفض عددها من 614 نشاطاً عام 2008 إلى 403 عام 2009، ثم عادت إلى الارتفاع قليلاً، إلى 469 نشاطاً مدعوماً من الشركات خلال عام 2010، إلا أن أنشطة الشركات الاجتماعية خلال أشهر رمضان المبارك شهدت تصاعداً ملفتاً خلال السنوات الثلاث الأخيرة: من 57 نشاطاً عام 2008، إلى 65 نشاطاً عام 2009، بزيادة قدرها 14%، ثم إلى 100 نشاط في رمضان الفائت 2010، بزيادة قدرها 53.8%.
قد يُفسر، جزئياً، هذا الارتفاع تحسن اهتمام الشركات بالاعلان عن أنشطتها عموماً، وفي رمضان خصوصاً، اضافة إلى تحسن وسائل رصد هذه الأنشطة من قبل المرصد الاجتماعي، التابع لمركز الأردن الجديد للدراسات، والذي اعتمدنا على بياناته في هذه الورقة. لكن المؤكد أن النسبة الأعلى من الزيادة يعود إلى تنامي الحافزية لدى الشركات لممارسة العطاء الاجتماعي خلال رمضان، عاماً بعد عام. وكذلك لتحسن أساليب ومهارات المؤسسات العاملة في مجال العطاء الاجتماعي، من حيث القدرة على ابرام الاتفاقيات وتقديم تسهيلات جديدة للشركات الراغبة في ايصال دعمها للمحتاجين، ونعني هنا منظمات وسيطة، مثل "تكية أم علي" و"حملة البر والاحسان" وغيرها.
2. التوزيع القطاعي للأنشطة الاجتماعية في شهر رمضان 2010:
وبتحليل أنشطة العطاء الاجتماعي للشركات الأردنية خلال رمضان الفائت 2010، نجد أن توزيع هذه الأنشطة على قطاعات الاقتصاد الأردني كانت على النحو المبين في الجدول رقم "1"، أدناه:
التوزيع القطاعي للأنشطة الاجتماعية
المدعومة من الشركات خلال رمضان 2010
القطاع |
عدد المؤسسات |
عدد الأنشطة |
1. الصناعة |
15 |
21 |
2. الاتصالات |
5 |
18 |
3. البنوك |
10 |
17 |
4. القطاع التجاري |
9 |
13 |
5. الخدمات |
10 |
12 |
6. السياحة والفنادق |
4 |
7 |
7. النقل |
3 |
7 |
8. القطاع العقاري |
2 |
2 |
9. أخرى |
3 |
3 |
المجموع |
61 |
100 |
ومن الجدول المذكور يتبين أن شركات قطاع الصناعة كانت في مقدمة الداعمين للأنشطة الاجتماعية في رمضان الماضي (2010)، حيث ساهمت 15 شركة صناعية (أو 24.6% من اجمالي الشركات الداعمة وعددها 61 شركة)، في دعم 21 نشاطاً، أي ما يعادل 21% من اجمالي الأنشطة المدعومة من عموم الشركات في رمضان الفائت.
وقد تلاها شركات قطاع الاتصالات حيث قدمت خمس منها دعمها لثمانية عشر نشاطاً اجتماعياً خلال شهر رمضان الماضي، وحلت البنوك في المرتبة الثالثة، حيث قدمت عشرة بنوك أردنية وأجنبية دعمها لـ 17 نشاطاً اجتماعياً في رمضان الفائت، أي ما يعادل 17% من الأنشطة الاجمالية، وحل القطاع التجاري في المكانة الرابعة من حيث عدد الأنشطة المدعومة من قبله، وعددها 13 نشاطاً. وقد تلا القطاعات المارة قطاع الخدمات، حيث قدمت 10 مؤسسات متنوعة الخدمات دعماً لأثنى عشر نشاطاً اجتماعياً خلال رمضان الفائت. وجاءت بقية القطاعات الداعمة بالترتيب التنازلي التالي: السياحة والفنادق، النقل، العقارات.
3. طبيعة الأنشطة الاجتماعية للشركات في رمضان الفائت 2010:
يندرج نحو 30% من الأنشطة الاجتماعية المدعومة من الشركات الأردنية خلال شهر رمضان الفائت (2010) في السياق العام للمسؤولية الاجتماعية للشركات، حيث تذهب إلى قطاعات وفئات متنوعة، مثل دعم أنشطة التعليم أو المدارس الحكومية؛ الرياضة؛ التوعية المرورية؛ الصحة؛ الشباب؛ الطفل ... إلخ.
غير أن غالبية أنشطة الشركات الاجتماعية تذهب في شهر رمضان المبارك إلى فئات بعينها، في مقدمتها الفقراء والأيتام؛ ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن.
وبالعودة إلى أنشطة الشركات الاجتماعية خلال رمضان الفائت (2010)، نجد أن 32 نشاطاً من اجمالي أنشطة الشركات الاجتماعية في رمضان كانت عبارة عن اقامة موائد افطار، أو توزيع وجبات على العائلات الفقيرة، وإلى جانب هذه ركز 24 نشاطاً للشركات على توزيع "طرود الخير"، وخص 15 نشاطاً آخر الأيتام، لكن معظمها تمثل في اقامة افطارات جماعية لهم وترافق، أحياناً، مع توزيع حقائب مدرسية أو ممارسة أنشطة ترفيهية. وبالنتيجة فان 71% من الأنشطة الاجتماعية للشركات في شهر رمضان الفائت (2010) كانت مزيجاً ما بين الطرود الرمضانية أو "طرود الخير" والمآدب الرمضانية أو "موائد الرحمن"، ونشاطات مشابهة استهدفت الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن.
أما بقية الأنشطة الاجتماعية، فهي لا ترتبط بشهر رمضان بالضرورة، وانما تلبي حاجة دائمة لدى المستفيدين فقد توزعت على النحو التالي:
نوع النشاط |
العدد |
الأطفال |
6 |
الشباب والرياضة |
5 |
ذوي الاحتياجات الخاصة |
3 |
التعليم |
3 |
الاعلام والفنون |
3 |
التوعية المرورية |
1 |
المجموع |
21 |
غير أنه لابد من القول أن بعض النشاطات المدعومة من الشركات والمنفذة خلال رمضان (وتقدر بـ 8% من اجمالي الأنشطة الاجتماعية للشركات) قد تجاوزت مفهوم الاحسان والدعم الطارئ إلى مفاهيم أقرب إلى البرامج الدائمة، والتي تحاول أن تسهم في التصدي للحاجة والفاقة بصورة مستدامة، مثل ابرام اتفاقيات تعاون مع جمعيات لتمويل مشاريع تنموية؛ توفير امدادات لدور الأيتام والمستشفيات؛ دعم طويل الأمد للعائلات الفقيرة عن طريق توفير فرص عمل لها؛ تقديم تمويل لمشروعات مدرة للدخل؛ مساعدة جمعيات ومؤسسات طبية أو اجتماعية عن طريق تنظيم حملات تبرع مستدامة (اقتطاع مبلغ صغير من فواتير الهواتف المحمولة)؛ التبرع بأدوات وأجهزة طبية لاستعمال ذوي الاحتياجات الخاصة؛ رصد نسبة من ايرادات بعض المؤسسات خلال شهر رمضان للتبرع لصالح المؤسسات الخيرية؛ تقديم منح دراسية، تأهيل مراكز تدريب أو الاسهام في بناء البنية التحتية للمدارس الحكومية وقرى الأطفال .... إلخ.
لا شك أن الأشكال التقليدية للعطاء في شهر رمضان المبارك مثل الافطارات الرمضانية وموائد الرحمن وطرود الخير تستهدف حاجة فعلية لدى المستفيدين من الفقراء، خاصة إذا قامت على أساس دراسة ومسح فعليين للأسر الفقيرة، إلا أن هذه العملية كانت وستظل تسد حاجة طارئة لدى الأسر، لا توفر تمكيناً بعيد المدى للفقراء، وعليه فانه يخشى أن هذه الأشكال من العطاء الرمضاني ربما باتت مسرحاً للعلاقات العامة والأنشطة الدعاوية للشركات المنخرطة في هذا النوع من الأنشطة، وقد تكون مقترنة بقدر لا يستهان به من الهدر للمواد الغذائية، أو أنها لا تصب في مصلحة أصحاب الاستحقاق أو الأكثر حاجة للدعم. وربما يستدعي هذا النوع من العطاء نوعاً من المراجعة للتأكد من هذه الجهود والأموال المرصودة من قبل الشركات تتناسب مع المردود الفعلي لهذه الأنشطة؟!
وعليه فقد يكون من الملائم أن تراجع الشركات أنشطتها الرمضانية وأن تُخضعها لرؤية استراتيجية تجاه الفقر والفقراء، عن طريق توجيه موازنات المسؤولية الاجتماعية نحو التصدي بعيد المدى لهذا التحدي الاجتماعي الكبير، أو نحو انتقاء فئات (أو مناطق) تشكو من الفقر، من خلال الاستعانة بالدراسات العلمية الحديثة عن مشكلة الفقر في الأردن أو حول جيوب الفقر المتنامية في مختلف المحافظات، مع مراقبة أثر برامج الشركات وأنشطتها على الحد من الفقر في تلك الجيوب، أو تلك الفئات المستهدفة من الفقراء.
4. القوى المحفزة على العطاء الاجتماعي للشركات:
إلى جانب المجتمعات المحلية والمنظمات والجمعيات الخيرية التي تتلقى الدعم مباشرة من جانب الشركات الأردنية، ولاسيما خلال شهر رمضان المبارك، والتي تلعب دورها كشبكة اجتماعية للوصول إلى الفقراء والمحتاجين من مختلف الفئات، نشأت فئة جديدة من المبادرات والمنظمات غير الحكومية التي باتت تلعب دوراً حيوياً في تيسير العطاء الاجتماعي للشركات، عن طريق توفير أوعية تنظيمية ولوجستية لتمكين الشركات والأفراد من أصحاب العطاء، من الوصول إلى المستفيدين النهائيين.
الشركاء الاجتماعيون للشركات في الأنشطة الخيرية خلال رمضان (2010) |
|
1. تكية أم علي. 2. الصندوق الأردني الهاشمي للتنمية البشرية- حملة البر والاحسان. 3. مؤسسة نهر الأردن. 4. متحف الأطفال. 5. قرية أطفال SOS (عمان، إربد، العقبة). 6. صندوق الامان لمستقبل الايتام. 7. مؤسسة (ومركز) الحسين للسرطان. 8. جمعية المركز الاسلامي الخيرية. 9. الهيئة الهاشمية للمصابين العسكريين. 10. مركز زها الثقافي. 11. مبرة ام الحسين. 12. جمعية رعاية وكافل اليتيم، المفرق. 13. مركز ذكرى للتنمية الشبابية. 14. العائلة الدولية لخدمة المجتمع. 15. مؤسسة الملكة علياء للسمع. 16. جمعية البادية الجنوبية للتربية |