توظيف الفكرة القومية في الصراعات العربية

توظيف الفكرة القومية في الصراعات العربية
أخبار البلد -   اخبار البلد
 
 

تحفل العلوم الاجتماعية على اختلاف مجالاتها ومدارسها، بدراسات وافرة عن القومية من حيث نشأتها ومقوماتها وعلاقاتها بالأمة والدولة. وثمة اتجاه قوي يؤكد أن تبلور نظريات القومية قد حدث خلال القرن التاسع عشر في ضوء الخبرة التاريخية للمجتمعات الأوروبية، وبالتوازي مع قيام الدول القومية في أوروبا. في هذا السياق يفيد علم اجتماع المعرفة في تحليل مكونات النظريات القومية وعلاقاتها بتطور المجتمعات في أوروبا، وذلك استناداً إلى أن المعرفة هي بالضرورة معرفة تاريخية لا يمكن تصورها كشيء مطلق خارج موقف اجتماعي معين وسياق تاريخي محدد، أي أنها ترتبط دائماً بالأوضاع الاجتماعية والمصالح الاقتصادية والسياسية للطبقات والفئات المختلفة.

 

 

في ضوء ذلك يمكن القول بتبلور ثلاث نظريات كبرى للقومية خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وقد عبرت كل منها عن الخبرة التاريخية المباشرة لثلاثة نماذج أوروبية في بناء الدولة، فقد اعتمدت النظرية الأولى على تجربة الوحدة الألمانية، وأسست تكوين القومية على وحدة اللغة، أما النظرية الثانية فتعرف بالنظرية الفرنسية وتركز على مشيئة العيش المشترك بين أفراد الأمة استناداً إلى التاريخ والآمال المشتركة. وقدمت الماركسية نظرية ثالثة تظهر في أعمال روزا لوكسمبورغ وستالين ولينين وتروتسكي، إلا أن اجتهادات ستالين طغت على أعمال الآخرين، وركزت على الربط بين نشوء الأمم والبرجوازية كظاهرة اجتماعية مرتبطة بنمط الإنتاج الرأسمالي كما عرفه المجتمع الأوروبي. وإلى جانب النظريات القومية الثلاث السابقة ظهر العديد من المحاولات التوفيقية بين النظريات السابقة، لكنها لا ترتقي إحداها إلى مستوى تقديم نظرية رابعة، حيث حاولت تقديم عنصر أو تأخير آخر عند الحديث عن عناصر القومية وأسباب ظهور الأمة، كاللغة والأصل والتاريخ المشترك والسوق الاقتصادية والدين والآمال المشتركة والرغبة في الحياة المشتركة. في هذا السياق التوفيقي ظهرت بعض المحاولات العربية في تفسير وتأويل الفكرة القومية سواء بطابعها الوطني (أو ما يعرف بالقطري في الخطاب العربي) أو القوموي العربي، واتسمت هذه المحاولات العربية بالقصور وبالتأثر الشديد بالنظريات الغربية السائدة، إضافة إلى تغليب التوظيف السياسي للفكرة القومية في الصراعات الأيديولوجية والدعائية، وأتصور أن اتساع نطاق التوظيف السياسي والصراعات المحتدمة بين الوطنيات الضيقة، وأنصار الاتجاه الوحدوي العربي، وأنصار الاتجاه الإسلاموي يؤكد الطابع الأيديولوجي للفكرة القومية، وقابلية استغلالها وإعادة تكييفها في سياق سياسات أو مشروعات متناقضة أو عنصرية، وتكفي هنا الإشارة إلى دمج الفكرة القومية واستغلالها في إطار النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا.

 

 

وعلى رغم كثرة الكتابات والسجالات التاريخية والمعاصرة بين الاتجاهات الوطنية والقوموية والإسلاموية حول الفكرة القومية في الفضاء العربي إلا أنه لا توجد نظرية عربية مستقلة في القومية، أو مدرسة عربية في فهم وتحليل الظاهرة القومية، حيث خضع السياسيون والمفكرون القوميون العرب إلى حد كبير لتأثير النظريات القومية الثلاث التي قدمها الفكر الأوروبي. واختلفت درجة التأثر من مفكر أو سياسي عربي إلى آخر، مع ملاحظة أن هذا التأثير شمل أنصار الاتجاه القومي الوطني (الوطنية المصرية) والاتجاه القومي السوري وغيرها، على رغم أن الوطنية والقومية لا تترادفان في الخطاب العربي. ولتوضيح هذا التأثر تمكن الإشارة إلى مفاهيم رفاعة رافع الطهطاوي عن الوطن والوطنية والتي جمع فيها بين مفاهيم وأمثلة من التراث والتاريخ العربي، إلى جانب مفاهيم حديثة أنتجتها الثقافة الفرنسية بخصوص تعريف الوطن والمواطن والرابطة الوطنية، كما تأثر المثقفون الليبراليون وأبرزهم أحمد لطفي السيد بالنظريات القومية الأوروبية، وبخاصة النظرية الفرنسية، بينما خضع مفكر قومي كساطع الحصري (1880 – 1968) لتأثير النظرية الألمانية حيث ركز على اللغة وعلى علمانية العروبة، فدولة الوحدة العربية كما قال لا بد أن تكون علمانية تفصل الدين عن الدولة. القصد أن الفكر القومي الذي طرح في الفضاء العربي (القوموي) أو الساحات الوطنية (القطرية) حمل الكثير من سمات التقليد والنقل عن الخبرة الأوروبية، كما تجاهل حتى وقت قريب التجارب التاريخية في تشكيل الأمم وظهور الدول القومية خارج التجارب الأوروبية، والذي يقدم ما يدحض صدقية الكثير من مكونات النظريات القومية الأوروبية التي سادت العالم تقريباً. فقد ثبت أن شكل الأمة والقومية لا يرتبط بالضرورة بنمط الإنتاج الرأسمالي وصعود البرجوازية ومحاولاتها الاستيلاء على السوق الداخلية، كما لا ترتبط القومية بطبقة معينة، وبالمثل لا توجد علاقة بين ظهور الفكر الليبرالي وظهور الفكر القومي.

 

 

ومن المفارقات أن اختلاف وصراع أنصار التيارين الوطني والقوموي العربي على عروبة مصر لم يمنعهما من التأثر بالنظريات القومية الأوروبية، وإن ظل التأثير بالنظرية الماركسية في القومية محدوداً للغاية. هكذا دخل المبدأ القومي في خصم الانقسامات الأيديولوجية في مصر، وأضحى كل تيار يمتلك مفاهيم محددة للقومية ولحدود الجامعة المصرية وهوية مصر بين الانتماء للتاريخ الفرعوني أو الحضارة العربية الإسلامية، فضلاً عن العلاقة بأفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط. وترتب هذه المفاهيم والانتماءات أدواراً ثقافية وسياسية على المجتمع المصري في الحاضر والمستقبل، عالجها كل تيار وحاول أن يوضح تفاصيلها.

 

 

لقد نقل ممثلو التيار الليبرالي التحديثي عن النظريات القومية الأوروبية، ولكن بدرجات مختلفة، إلا أنهم اتفقوا على وجود أمة مصرية من قبل التاريخ، وعلى العداء لفكرة الجامعة الإسلامية، لكن من دون الهجوم على الإسلام ولا شك أن هذا التأثير قد خلق عدة مشكلات نظرية وعملية في تكوين التيارين القطري (الوطني) والقوموي وعلاقاتهما، لا سيما أن النظريات القومية الأوروبية لم تواجه إشكاليات علاقة الدين بالدولة، والموقف من الاستعمار والتفريق بين الانتماء الوطني (القطري) والانتماء القومي العربي، والانتماء للعالم الإسلامي، فالوطنية والقومية مترادفتان بالنسبة لكثير من الأمم كالأمة الفرنسية والأمة الإيطالية والأمة الألمانية. بينما تثار إشكاليات حقيقية أو مصطنعة في علاقات المصري مثلاً بالدائرتين العربية والإسلامية. وفي السياق التاريخي العربي انتشرت محاولات استغلال وتوظيف الفكرة القومية في إطار مشروعات التيارات الوطني (القطري) أو التيار القومي العربي، أو التيار الإسلاموي، فقد حاول الإسلامويون توظيف الفكرة القومية لخدمة مشروعهم لاستعادة الخلافة الإسلامية حيث طرحوا الإسلام كرابطة قومية أي أن الانتماء إلى الإسلام يعلو أي قومية أو هوية أو انتماء، والمفارقة أن هذا الطرح للمبدأ القومي جاء في إطار رفض ومحاربة الوطنية القومية أو القومية العربية، يقول حسن البنا القومية مبدأ خطر لا ينتج إلا الشرور والآثام والحروب والتخاصم والتنافس والتراحم. ثم تحدث عن قومية الإسلام التي تسمح للإنسان أن يعمل لمصلحة وطنه أي موطنه.

 

 

هكذا سمح تأويل المبدأ القومي واستغلاله بظهور تيارات ومدارس عدة، حيث أدمج في الوطنيات المحلية (القطرية) والقومية العربية باسم العروبة، كما أدمج في إطار مفهوم الأمة الإسلامية وجماعة المسلمين، وصار جزءاً من الإسلام على رغم النشأة العلمانية للفكرة القومية في أوروبا وأميركا. وأعتقد أن كل محاولات توظيف الفكرة القومية أدت إلى تعثر تطورها في الفضاء العربي وعدم حسم إشكاليات الهوية والانتماءات المتعددة ما بين الجهوي والوطني والعربي والديني، ما أفرز تحديات حقيقية تعاني منها بعض الدول العربية، بخاصة بعد ما عرف بالربيع العربي، والذي كانت حصيلته حتي اليوم أبعد ما تكون عن مظاهر ومعاني فصل الربيع.

 

 

 

شريط الأخبار كلاب ضالة تنهش طفلاً حتى الموت في مادبا الحنيفات : كل فرد في الأردن يهدر 101 كيلو من الطعام سنويا كانت "سليمة".. انتشال جثة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله مجلس مفوضي هيئة الأوراق المالية يقرر الموافقة على تسجيل وإنفاذ نشرة إصدار صندوق استثمار مشترك مفتوح "النقل البري" تفقد صلاحية المركبات العمومية استعداداً لفصل الشتاء نقيب المجوهرات علان : يوضح سبب تراجع فاتورة الذهب المستورد اخطاء نحوية في تغريدة مهند مبيضين ..والجمهور "مين اضعف هو ولا المناهج" ميقاتي: ليس لنا خيار سوى الدبلوماسية الملخص اليومي لحركة تداول الأسهم في بورصة عمان لجلسة اليوم الاحد .. تفاصيل الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل نبيل قاووق القيادي البارز بحزب الله الاحتلال يؤكد اغتيال القيادي بحزب الله نبيل قاووق الغذاء والدواء توافق على تسجيل 63 صنفًا دوائيًا لتعزيز الأمن الدوائي مهم من الضمان حول توزيع مبالغ مالية التعليم العالي تعلن عن بدء تقديم طلبات القبول الموحد لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين قصة نجاح الطالب عنان عدنان رجب دادر من ذوي الاحتياجات الخاصة مصادر إسرائيلية: كنا نعلم مكان نصر الله منذ 3 أشهر ضيف "غير مخيف" يصل سماء الأردن الليلة "نصرالله لم يكن في مكان الاجتماع".. كيف اغتال العدو الأمين العام للحزب؟ بالصورة - نعش القائد الكبير: السيد نصرالله شهيدا على طريق القدس الظهور الأخير لأمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله قبل اغتياله (فيديو)