لقد استدعتني الصورة المستفزة التي تسربت للموقوفين الثلاثة على حساب قضية الفساد في شركة موارد ، للتأمل بشكل عميق شهيقا وزفيرا على طريقة اليوغا ، وأخذت مني أياما من المراجعات للقوانين المرعية والاستعانة بمختصين قانونيين في المجال .
لقد برز بعد تدقيقي في الصورة التي التقطت للثلاثة الموقوفين ، وخاصة صورة أكرم أبو حمدان عدد من الملاحظات تتحمل الحكومة مسؤولية التجاوز تجاهها بشكل مباشر .
فالسماح بالتقاط صور خاصة لمواقع اليكترونية ، يحمل دلالة سياسية واضحة ، تأتي بالدرجة الأولى في محاولة من الحكومة لاستعراض العضلات ، ولتعميم صورة نمطية شكلية ، لتقدم انطباعا لدى الشارع واحد وحيد ، هو أن الحكومة جادة في مواصلة حربها ومكافحتها للفساد ، وفي محاولة رد منها أيضا على القوى التي تتهمها بالفساد والتقصير ، وتحملها المسؤولية الأدبية عن قضايا كبيرة كالكازينو وتهريب شاهين للخارج بعد أن توصل الشارع إلى نتائج ناصلة اللون ، وهي بذلك تحاول تقديم الصورة أيضا كغطاء على تعديل صادم ومخيب للآمال ، لم ينجح بإقناع الشارع بوزراء جدد أفضل ممن سبقهم ، إذ بدى الرئيس أمام الشارع كمن يأخذه الضبع مخدوعا باقنعة من يختار !
وبالعودة لصورة أبو حمدان الموزعة على طبق من ذهب مع تسهيلات فائقة ،وهي تظهر رجل الأمن يقتاد ( أبو حمدان ) من عنقه ( كأنه عنزة ) ذاهب بها إلى مسلخ أغنام للذبح ، هي صورة مخالفة للقانون الدولي الإنساني في معاملة السجين وقانون أصول المحاكمات المدنية ، لأنها طريقة مهينة للإنسانية بامتياز ، وتكيف على أنها عملية إفراط في عملية الحراسة ، على أن قانون أصول المحاكمات الأردني والمعمول به نص بان تجري على المتهم الحراسة اللازمة دون الإخلال بآدميته وإنسانيته ، لان الواجب يستدعي أن نحافظ على حقوق السجين ولو صدر في حقه قرار اتهامي .
وقد تكررت مشاهدتي لمثل هذه الصورة لاقتياد سجناء داخل قاعات المحاكم بشكل مخالف ، ففي بعض الأحيان يترك السجين مقيدا أثناء المحاكمة ، وربما يجري تدخل الشرطي في كلمات ناهرة ( اسكت اجلس ...) أمام القاضي ، رغم انتهاء صلاحيات رجال الأمن أثناء الحاكمة لتصبح من اختصاص وصلاحيات القضاء .
وبالرغم من تطور جهاز الأمن العام في مراعاته لقواعد حقوق الإنسان وعقده دورات تدريبية في المجال لمنتسبيه ، إلا إننا لا زلنا نلاحظ خروقات بسيطة في مجال حقوق الإنسان ، لكنها تستوجب التنبيه ، ومن ذلك اخذ أقوال متهمين دون وجود لمحاميهم، ثم اعتقد إن جزءا من المسؤولية في هذا الوضع يقع على عاتق نقابة المحامين ، كمظلة تعمل على إثراء المجتمع بالميزان والعدل ، ينتشر أعضاؤها في المحاكم وكل مكان ، الأمر الذي يقتضي تنبيه رجال الأمن والقضاة إلى هذه الملاحظات .
كما أن قانون السجون الأردني يحتاج إلى تطوير وتحديث ، لان تصنيف المساجين المعمول به لا يف بالحاجة ، بحيث يصنف السجين بشكل يراعي سيرته الذاتية وثقافته وبيئته ، فمن يحترف الجريمة يختلف عمن ارتكبها نزوة !
ونتمنى أن تأخذ النيابة العامة دورها بحيث لا تطغى السلطة التنفيذية وتتغول على النيابة العامة إذا علمنا أن مدير الأمن العام يعمل مساعدا لرئيس الضابطة العدلية !
أن فصل السلطات قاعدة شديدة الأهمية في مجال الديمقراطية وهي بند يجب مراعاته في طريقنا نحو الإصلاح .