تشيرالتحقيقات التي تجريها الحكومة و الأجهزة الأمنية التركية التي اعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة, إلى تورط الولايات المتحدة بشكل مباشر في عملية الانقلاب هذه, هذه الإتهامات بالتأكيد سوف تأخذ البلدين إلى منحنى جديد في العلاقة بين الطرفين.
ففي مقابلة مع وزير الداخلية السابق ميرال إكشينير يقول فيها بأن الضباط الذين قاموا بعملية الإنقلاب الفاشلة هم خونة و عملاء لأجهزة استخبارات غربية ، و يتابع حديثه و يقول نحن نعلم ان الإنقلاب ما كان لينجح أصلاً من دون تخطيط و دعم الولايات المتحدة. فيجب علينا من اليوم أن ننتبه إلى أنشطة وكالة المخابرات المركزية الامريكية و الحكومة الولايات المتحدة على الأراضي التركية بعد هذه الأحداث المأساوية.
من هي الجهة التي تقف وراء الإنقلاب الفاشل؟
التحقيقات تأكد بأن قادة الإنقلاب هم من اتباع تنظيم الداعية الإسلامي فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة منذ عدة سنوات،و لكني متأكد بأن غولين هو مجرد شخصية صورية و علامة تجارية أنتجتها واشنطن لإستخدامها وقت الحاجة، وصورته للعالم كمقاتل من أجل العدالة. و لكنه في الواقع مجرد أداة توجهه هو و أتباعه وكالة المخابرات المركزية. تذكرون في بداية الإنقلاب كيف كان واضحاً إنحياز وسائل الإعلام الأمريكية في تغطيتها لقادة الانقلاب و لغولن شخصياً، و كيف تحدثوا عن الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والحريات في عهد أردوغان, و بعد ان ادركوا أن المتآمرين فشلوا في إنقلابهم، أعلنت الحكومة الأميركية فوراً حيادها و نصحت انقرة بضبط النفس.
نحن نعلم أن الجانب الأمريكي في الفترة الاخيرة كان يفضل رئيس الوزراء السابق التركي أحمد داود أوغلو، و التي تعتبره كمهندس للسياسة التركية الحديثة التي تركز على تطوير المؤسسات الديمقراطية العلمانية. فنحن نذكر في بداية يونيو 2016 كيف رفض الرئيس الأميركي باراك أوباما مقابلة الرئيس التركي اردوغان ، في حين ان اوباما التقى بعد أيام من هذه الحادثة مع داود أوغلو. حيث فسرتها القيادة التركية كإساءة مباشرة لشخص الرئيس و خرق سافر للأعراف و البروتوكولات الرسمية، مما دعا البعض للقول بأن اوغلو هو مرشح الولايات المتحدة لمنصب رئيس الجمهورية التركية...!!
كيف تَم تجنيد الضباط للقيام بالإنقلاب؟
غالبية ضباط الجيش التركي هم من خريجي المؤسسات التعليمية العسكرية للناتو ومن الموالين للولايات المتحدة, لاحظوا أن من قام بالإنقلاب معظمهم من الجنرالات الذين لديهم نفوذ واسع و قوي في سلاح الجو التركي، و قسم كبير منهم يخدمون تحديداً في القاعدة الجوية التابعة للناتو في إنجرليك، و بالتالي سيكونون تحت المراقبة المباشرة من الجانب الامريكي لكل خطوة يخطونها نظراً لإطلاعهم الواسع على الكثير من المعلومات السرية التي تخص الناتو و واشنطن بشكل خاص. فمن غير المعقول أن وكالات الاستخبارات الأمريكية (CIA، NSA، DIA) لم تكن على علم بما كان الضباط الأتراك يخططون له و يسعون لتنفيذه؟ فلا عجب أن قائد القاعدة الجوية في إنجرليك الجنرال بكير ارجان حاول الهروب للجزء الامريكي من القاعدة و ذلك بعد حصوله على ضمانات سابقة بحمايته من القيادة العسكرية و الدبلوماسية الامريكية في حال فشل المحاولة. انقرة شبه متاكدة بان واشنطن كانت على علم مسبق بالإنقلاب، و لكن، كعادتها الدائمة في خيانة اقرب حلفاءها لم تقم بتحذير أردوغان، كونها رسمت لتركيا سيناريو مشابه للسيناريو المصري، مجلس عسكري مؤقت يحكم البلاد، ثم إنتخابات ديمقراطية على الطريقة الامريكية و التي كانت ستأتي على الأرجح بمرشحهم داود أوغلو.
وفي معرض تعليقه على الوضع الحقيقي داخل منظومة أركان الجيش التركي، يقول:- كان هناك معسكرين داخل الجيش - الأول كان موالياً للرئيس أردوغان حسب الاعراف و القانون، والثاني كان تحت رعاية و اشراف الولايات المتحدة وألمانيا, المعسكر الأخير كان له مكانة متميزة في وزارة الدفاع و أركان الجيش، فعلياً لم يكن تحت سيطرة اردوغان,هذا التيار العسكري التركي المحسوب على امريكا هو الذي إتخذ قرار إسقاط الطائرة العسكرية الروسية أواخر العام الماضي فوق الاراضي السورية و من دون الرجوع لرئيس الدولة... اردوغان في وقتها لم يقم بأي إجراء تصعيدي ضد هذا التيار، أولاً: حفاظاً على هيبته كرئيس دولة، ثانياً: لم يريد إحداث شرخ داخل مؤسسة الجيش، ثالثاً؛ لمنع حدوث اية ضجة إعلامية حول هذا الموضوع حتى يتسنى لأردوغان إعادة ترتيب بيته الداخلي بصمت و هدوء، و هذا ما يفسر جهوزية قوائم الإعتقالات الضخمة التي اعلنتها الحكومة التركية بعد يومين من فشل الإنقلاب.
الأحداث الاخيرة في تركيا أكدت لنا زيف و قبح السياسة الامريكية تجاه الشرق الأوسط، فعندما تتعارض مصالح واشنطن مع اية مصالح أُخرى في دولة معينة، يصبح زعيم تلك الدولة سواء في ليبيا اوالعراق او سوريا هدفاً مشروعاً لها، فهي على إستعداد لتقديم أي تضحية من أجل إزاحته عن السلطة، معلنة بعدها انها كانت إرادة الشعب. مصر..ليبيا... العراق...تونس...سوريا... اليمن...و اخيراً تركيا حليفتها في حلف شمال الأطلسي.
اخيراً, انصحكم بقراءة كتاب "حدود الدم" لكاتبه الكولونيل المتقاعد رالف بيترز الذي يؤمن أن إعادة ترسيم الحدود لدول عديدة,سوف يقدم حلاً جذرياً لمشاكل الشرق الأوسط المعاصر,يعترف بيترز بأن أطروحاته وحشية، لكنه يصر على أنها شر لا بد منه لشعوب الشرق الأوسط، ويطرح تفكيك وإعادة تجميع الدول القومية في الشرق الأوسط كحل للنزاعات المسلحة في المنطقة، ولكن هذا كذب واضح. ما لا تعترف به وسائل الإعلام هو حقيقة أن الصراعات الكبرى التي يعاني منها الشرق الأوسط كلها تقريباً نتيجة لتداخل الأجندات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية.