خيبة امل تركية من حلف الناتو تبعت اسقاط الطائرة الروسية؛ اذ رفض حلف الناتو والولايات المتحدة الامريكية تقديم الدعم لانقره وادار الظهره لها؛ ليتكرر المشهد بعد المحاولة الانقلابية بالموقف الغامض الذي تبنته واشنطن في الساعات الاولى للمحاولة الانقلابية تعمق بعد تلكؤها في تسليم المتورط رقم واحد فتح الله غولن رغم وجود اتفاق لتبادل المجرمين بين البلدين.
حدثان مفصليان كان لهما الاثر في تحديد حقيقة المواقف الغربية من الحليفة تركيا ومصالحها الحيوية؛ فالحدثان وضعا البلاد على حافة الهاوية و لم تجد تركيا في حلف الناتو نصيرا او معينا في التعامل مع التهديدان الخطيران بل خذلان يتبعه خذلان .
الاهم من ذلك موقف الولايات المتحدة والدول الاوروبية من حزب العمال الكردستاني وقوات pyd ووحدات حماية الشعب الكردي التي صنفتها تركيا كتهديد لامنها ولم تحظ بالدعم الكافي من حلفائها في حين تلقت هذه التنظيمات دعما مباشرا في كثير من الاحيان من دول الناتو الاوروبية.
ازمة العلاقة مع امريكا والناتو والاتحاد الاوروبي امتداد خطير للموقف الامريكي من الحرب في سوريا؛ اذ رفضت تبني وجه النظر التركية وخذلتها في اكثر من محطة ؛ ذات الموقف السلبي من الازمة العراقية حيث وضعت الولايات المتحدة العديد من القيود على تركيا في العراق كما في سوريا في حين اطلق العنان لايران ومليشاتها في كل من العراق وسوريا للعب الدور الاساس وهمش الدور التركي بشكل مريب؛ بل وشنت الحملات الاعلامية بشكل متتابع على السياسة التركية ما وضعها في دائرة الاستهداف الاقليمي والدولي بل ودائرة الاستهداف للقوى الارهابية.
بات واضحا بان الادارة الامريكية والاتحاد الاوروبي والناتو لايضعون مصالح الحليف التركي في عين الاعتبار ويقدمون عليها طهران التي لاترتبط بالغرب باي ميثاق او عهد؛ ما وضع علامات استفهام كبيرة حول حقيقة العلاقة التي تجمع تركيا بالناتو وحلفائها الغربيين.
تركيا في معرض مراجعة شاملة لعلاقاتها الدولية والاقليمية واعادة تعريف المخاطر التي تتهددها وتحدي مصالحها واعادة صياغتها وتعريفها بناء على هذه المعطيات؛ ما يعني اننا امام حقبة جديدة ليس في تركيا فقط بل والاقليم باكمله ؛ حال تركيا لايختلف كثيرا عن حال دول الخليج العربي الا ان ما يميز تركيا هو مقدار المرونه والاستقلالية التي تتمتع بها في ادارة شؤنها الداخلية والخارجية وقدرتها الفائقة على المناورة والاكتفاء الذاتي.
فهل ستحذوا دول الخليج العربي ودول اقليمية ودولية حذو تركيا في المستقبل؟ وهل ستشمل المراجعات التركية بداية حقيقية لاعادة صياغة المنظومة الاقليمية والدولية المتهاوية؛ وما هو شكل المقاومة التي ستبديها الولايات المتحدة والقوى الغربية لاي تغير لحالة الستاتكيو التي استمرت اكثر من 50 عاما في النظام الدولي والاقليم .
ردات الفعل الغربية قد تقود الى مزيد من الفوضى في الاقليم والنظام الدولي؛ امر يتطلب قدرا كبيرا من الاستعداد واعادة تقدير الموقف لدى دول الاقليم التي باتت تستشعر تحولا كبيرا في المنطقة والعالم ؛ تحولات لابد من الاستعداد والتحضير لها بحكمة وروية فالغرب لم يعد ذلك الغرب الذي عرفناه خلال الاربعين عاما الماضية؛ والعالم تغير كثيرا فالاحداث المتراكمة غيرت شكل النظام الدولي والاقليمي وهي تتسارع بلمح البصر لدرجة ان الزمن بات يتباطئ بشكل لافت امام الاحداث المتسارعة والكثيفة؛ محدثا إنحناءات وفجوات التي يصعب تصحيحها او ردمها؛ فالانحناءات والثغرات والثقوب السوداء الصغيرة المتناثرة في حقيقتها ما هي الا صورة مصغرة عن النظام الدولي والاقليمي المقبل وفيزياء الجاذبية السياسية القادمة لمراكز ثقل بدات تكشف عن نفسها شيئا فشيئا.