عندما تلعب البنية التحتية دورا أساسياً في تعزيز نوعية حياة المواطنين ورفع مستوى تلك البنية يشكل عاملا حيوياً للتحول الاقتصادي والاجتماعي، من الضرورة بمكان الوقوف عند ما تم انجازه في قطاعات المياه والصحة والتعليم والطاقة والنقل والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والخدمات البريدية، وحماية البيئة واستدامتها.
وعندما تكون الموارد متاحة، سواء كانت مالية أو فنية أو بشرية، وعندما تكون معظم عمليات الاقراض قد تمت على أساس حاجات البنى التحتية، إضافة إلى دخل الفرد فمن حق الشعوب التمتع باقل الخدمات الأساسية.
ومع وجود علاقة وطيدة بين الإقراض والأداء من الضرورة أن تؤدي السياسات والخطط إلى الاستغلال الفعال للموارد؛ كون إدارتها على أساس سليم من شأنها أن تعمم المنفعة وتفضي إلى إنتاجية تجعل الشعوب يعتمدون على أنفسهم.
الكثير من المساجد المنتشرة في المملكة تفتقر للأساسيات من مرافق صحية وتهوية وسعة المكان، إضافة لأماكن وجودها، في الوقت الذي يوجد هنالك مساجد فاخرة مرافقها من السيراميك الايطالي فراشها من السجاد العجمي، إضافة إلى الثريات الكريستالية التي تزينها.
ذلك يشير إلى وجود خلل في توزيع الموارد من جهة ومكتسبات التنمية من جهة أخرى، كون المساجد مواردها المالية تشكل منحا من أشخاص.
رجال الخير كثيرون رغبوا في التبرع بأموال طائلة لبناء مساجد، لكن لا أعتقد بأنهم يصرون على أن تكون "5 نجوم" عندما يعلمون بان هنالك أماكن عبادة أخرى لا تتسع لمصلي الحي أو المدينة، وهي منتشرة في كافة محافظات المملكة وحتى في العاصمة عمان، لكن في الأحياء الفقيرة.
تلك المساجد كافة حصلت على تراخيص بناء وموافقات رسمية لبنائها، لكن من الذي يقرر المواصفات وكيف يمكن مراجعة الاحتياجات اللاحقة لتلك المساجد.
كان من الأجدى لصاحب القرار "تجيير" جزء من تلك الموارد التي ضخت لبناء المساجد ذات الطابع المرفه إلى الأخرى، للوصول إلى أماكن عبادة في أسوأ الأحوال تكون واسعة مواصفاتها متوسطة يتوفر فيها كافة المستلزمات وتنتشر في كافة أنحاء المملكة.
وهي الصورة ذاتها في بدايات تشكيل البنية التحتية للدولة عندما تم التركيز على العاصمة عمان وإهمال المحافظات الأخرى، بالطبع في السابق كان للحكومة حجة بوجود قطاع زراعي وريف، ولم تتوقع أن تحدث هجرات باتجاه المدن بالشكل الذي حدثت به، لكن ما زالت الحكومة تركز على العاصمة مع تحرك خجول تجاه المحافظات فيما يتعلق بالخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم والمتطلبات الأساسية.
التجول في أحياء محافظات مثل الزرقاء والرصيفة تقشعر له الأبدان، بسبب النقص الحاد في الخدمات والمرافق، فهنالك مراكز صحية إن وجدت تعمل بدون آلات ضرورية وكوادر مطلوبة، ومدارس من دون مقاعد ونوافذ وتدفئة في حالات الطوارئ.
ووضع المساجد ليس بعيدا عن وضع الطرق والخدمات المرافقة، سواء لمناطق صناعية أو سكنية فهنالك مناطق ينقصها الكهرباء والماء، وهنالك أماكن تفتقر للطرقات والخدمات البديهية مثل النظافة والمرافق الصحية والترفيهية.
في هذه الأيام يكثر الحديث عن مساعدات أجنبية وعربية، لكن السؤال هل ستجد طريقها السليم في الصرف في حال ارسلت؟ وهل ستتعامل معها الحكومة على قدر المسؤولية في ظل هذه الظروف الاستثنائية؟.
أسئلة كثيرة يجيب عنها نائب حالي ونائب رئيس وزراء سابق، يقول لطالما استفدنا من المساعدات الأجنبية. يشير إلى أن معظم البنى التحتية كانت من المساعدات، لكن المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه لا ينكر وجود أخطاء وتعامل غير سليم مع موارد الدولة، سواء من الداخل أم من الخارج.
وجود بني تحتية ذات كفاءة متميزة بغض النظر عن الموقع الجغرافي شرقا أو شمالا أو جنوبا، سيكون له مردود عال يشكل أهم عناصر جذب الاستثمار، وينعكس بالتالي على معيشة المواطنين البسطاء.
كشف تقرير صادر عن وكالة الاستخبارات الامريكية أن الأردن تقدم بطلب للولايات المتحدة الأمريكية للحصول على مساعدات بقيمة 4 مليارات دولار على مدى 3 سنوات مقبلة.
التقرير أكد أن أن المساعدات المطلوبة ليست نقدية بالكامل، بل تتضمن الحصول على مساعدات فنية وضمانات قروض وتمويل قروض صغيرة ومتوسطة بشروط ميسرة وبرامج دعم فني للمشاريع بهدف إحداث اثر مباشر وسريع في الاقتصاد.
الطلب الجديد بحسب المسؤول السابق قدم وفق رؤية مختلفة ولا يهدف فقط إلى الحصول على مساعدات نقدية بالكامل، بل يتضمن أفكارا غير تقليدية تهدف إلى الحصول على ضمانات لقروض بعض المشاريع.
حال الزرقاء كما هو الرصيفة ومعان والكرك وجرش، مع وجود منحة الألفية لدعم مشاريع المياه في محافظة الزرقاء بقيمة 275 مليون دولار أقرت العام الماضي تنفذ خلال خمس سنوات.
الملك عبد الله الثاني كان واضحا عندما زار الزرقاء مؤخرا عندما أكد أهمية معالجة الانتشار العشوائي للمصانع والاكتظاظ في المدارس، والحد من الضغط على المستشفيات ومعالجة المشاكل البيئية والتوسع في مشاريع البني التحتية، وهو ما يذكر به جلالته دائما عند زيارة أي من المحافظات.
إعلان الملك عن مناطق تنموية يسبقها إنشاء بنية تحتية، وإيعاز جلالته في رسالة إلى الحكومة بتخصيص المبالغ اللازمة لتنفيذ مجموعة من البرامج والمشاريع الوطنية التي ستنعكس نتائجها بشكل مباشر على مستوى معيشة المواطنين، مع طلب جلالته إنشاء مرافق سياحية. كل ذلك سيكون رادعا ومعدلا لأي تقصير سابق أو مقبل.
الدول العربية وعلى رأسها الأردن استثمرت أموالا طائلة في إنشاء بنيتها التحتية المتطورة، لكن المهم هنا توفير الأموال الكافية للصيانة والتطوير، إذ ما يتم إنشاؤه اليوم يمكن أن يصبح قديما في سنوات قليلة. المعروف أن الدول العربية عموما تُحسن الإنفاق على الإنشاء لكنها تبخل على التطوير، خصوصا الصيانة؛ ما يقصر من عمر وجودة وفعالية ما أنشئ.
نظام إدارة الاقتصاد يجب أن يكتسب خصائص مميزة وترتيبات مؤسساتية ذات خاصية أساسية واحدة، وهي الاعتماد على التخطيط المركزي في تحديد الأولويات الاقتصادية، ما يساهم في تمكين المجتمعات الأقل حظا على تحديد احتياجاتها ومشكلاتها لكي تبدأ بمشروعات مجتمعية مستدامة ومتكاملة تلبي هذه الاحتياجات.
وهو ما يشير إليه البند "ز" من المادة الأولى من قانون التخطيط والذي يفيد بأن "الإيمان أن عملية تنمية المجتمع الأردني وتحديثه وتطويره تتطلب وجود جهاز قومي مؤهل وفعال، وتطبيق العدل الاجتماعي في جميع قطاعات المجتمع، واعتماد نظام تربوي سليم يخدم حاجات المجتمع القائمة والمقبلة، واستثمار رأس المال على نهج اقتصادي، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة بأسلوب علمي".
وهو أيضا ما يثني عليه البند "أ" في المادة الرابعة من نفس القانون، والذي يشير إلى "إعداد خطط الدولة الطويلة المدى لتنمية المجتمع الأردني وتطويره اقتصاديا واجتماعيا وبشريا وثقافيا في ضوء حاجات المجتمع الأردني القائمة والمتوقعة، وتنمية الموارد المحلية في الأردن، ورفع مستوى معيشة الشعب الأردني، والوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في اقصر فترة زمنية ممكنة".
لكن مع الأسف البند "ي" في المادة الأولى من نفس القانون ما زال يطالب "إسرائيل" بالانسحاب من الأراضي الأردنية ويقول البند: "الإيمان بان صمود الاردن ومواجهة متطلبات تحرير الاجزاء المغتصبة منه ومن فلسطين تتطلب تنمية كيان قوي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وبشريا ثقافيا، مدنيا وعسكريا، قائم على اسس علمية تخطيطا وتنفيذا وتقييما ومتابعة".
المعروف أن هذا البند يلغى بواقع الحال مع توقيع اتفاقية السلام مع "إسرائيل" وادي عربة.
وقانون مثل التخطيط الصادر في عام 1971 الأجدى بالتعديل بدلا من قوانين إصلاحات سياسية.
فكيف يمكن العمل على إدارة الموارد وتوزيع مكتسبات التنمية بشكل عادل في ظل هذه القوانين؟