خاب ظن الذين راهنوا على هزيمة نتنياهو ، حين كتب عنهم وبإسمهم باراك ربيد في هأرتس تحت عنوان صارخ يقول " إنتهاء عصر نتنياهو في السياسة الإسرائيلية " ، إذ أعطت نتائج الإنتخابات عكس رغبات هؤلاء وأمثالهم ، وها هي الأغلبية الإسرائيلية قد منحت ولاية ثالثة ليتولى نتنياهو رئاسة الحكومة لأربعة سنوات قادمة ، وأثبت كل من موشيه كحلون المرشح لحقيبة المالية ، وأريه درعي الذي وعد قبل الإنتخابات بتقديم التوصية لتكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة المقبلة ، أنهما الأقدر على تحسس مزاج الإسرائيليين ورغباتهم ، ولذلك يبدو أن الشيء الطبيعي هو الذي أفرزته الأغلبية الإسرائيلية من صناديق الاقتراع يوم 17 آذار ، وغير ذلك ، هو غير الطبيعي ، وغير السوي ، فالمقدمات والأفكار السياسية الأمنية وتوجهاتها السائدة لدى أغلبية المجتمع الإسرائيلي العنصري المتطرف من جهة ، والمحكوم لرغبات المستوطنين العقائدية التوسعية من جهة أخرى ، هي التي صنعت حصيلة الأرقام ونتائج التصويت وإفرازات الصناديق ، وأدت إلى ما أدت إليه من نجاح الليكود وتفوقه مع الأحزاب اليمينية والدينية المتطرفة ، وبغير ذلك تكون النتائج متعارضة مع المقدمات ومع كل المعطيات التي تحكم مزاج ورغبات وتوجهات الأغلبية الإسرائيلية ، فالذي حصل هو السوي المعبر حقيقة عن المجتمع الإسرائيلي وإفرازاته المرضية المتطرفة ، طالما أن رأسه لم يصطدم بالجدار بعد .
ولم يكن أحد من المراقبين المدققين يتوقع نتائج مغايرة في حصيلتها إلى ما أعطته إنتخابات الكنيست العشرين ، بإستثناء حصول الليكود على ثلاثين مقعداً على غير ما كان متوقعاً ، وهذا يعود لعدة أسباب يقف في طليعتها ما يلي :
أولاً : التصادم بين الأدارتين الإسرائيلية والأميركية ، وزيارة نتنياهو لواشنطن بدعوة من رئيس مجلس النواب الأميركي ، بدون أن يجد القبول أو الترحيب من قبل إدارة أوباما ، وعدم إستجابته للنصائح لتأجيل الزيارة إلى ما بعد الإنتخابات البرلمانية ، وإصراره على تلبية الزيارة وتأديتها وخطابه أمام الكونغرس ، بما يتعارض مع موقف الرئيس الأميركي فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني ، وما أسفر ذلك عن توجهات أميركية أوروبية لإزاحة نتنياهو ، مما خلق حوافز إسرائيلية بإتجاه التمسك بسياسة نتنياهو وتوجهاته والإصرار عليها من قبل قطاع مؤثر من الإسرائيليين ، فالتصادم مع الأدارة الأميركية عزز من الإنحياز الإسرائيلي نحو توجهات نتنياهو ونحو مخاوفه الأمنية .
ثانياً : حالة عدم الإستقرار الأمنية والسياسية السائدة لدى البلدان العربية المحيطة بفلسطين : لبنان ، سوريا ، سيناء وقطاع غزة ، وإحتمالات المواجهة معها ، وحالة عدم الطمأنينة السائدة ، جعلت سياسات نتنياهو الأمنية مصدر إهتمام الأغلبية الإسرائيلية القلقة والمتوترة .
ثالثاً : غياب برنامج إسرائيلي بديل ومقنع ، وإفتقاد المعارضة لشخصية كارزمية ، فالبرنامج الذي قدمه حزب العمل لم يكن جاذباً للإسرائيليين ولا يشكل بديلاً نوعياً أو متقدماً عن برنامج الليكود .
لندقق بالأوصاف لأبرز قادة الليكود وحلفائه ، وهي أوصاف قالها إسرائيليون وكتبوها قبل وخلال الإنتخابات لعلها تؤدي إلى نتائج متعاكسة إلى ما أعطت صناديق الإقتراع ، فقد كتب أوري سبير في معاريف تحت عنوان " السيد عادي " ، كتب يقول عن نتنياهو حرفياً " إنه من أتباع جابوتنسكي ، يجسد إستمراراً للشتات والغيتو ومقتنع أنه في كل جيل يهب علينا أعداء من أجل إبادتنا ، وهو يقول ذلك ، لأنه مصاب بمرض كراهية الأجانب ، ويرى إسرائيل تعيش طوال الوقت على حد السيف كرؤيا أخر الزمن ، يستخف بالديمقراطية وبسلطة القانون ، يتشاجر مع العالم وعلى رأسه رئيس الولايات المتحدة ، رجل خصومة ومشاجرة ، خطيب ديماغوجي ، ورجل دعاية من الطراز الأول " ، كما تصف إفتتاحية هأرتس إنتخاب ليبرمان تحت عنوان " عار ليبرمان " بقولها : " إنه يتذبذ بين مطالبته لترحيل العرب مواطني إسرائيل ، وعقوبة الموت للمخربين ، ويؤمن من كل قلبه بالبضاعة العنصرية التي يقدمها لناخبيه ، ولذلك فهو ليس جديداً في أن يكون لسان الميزان أو أن يشارك في بلورة كتلة ، وفضلاً عن ذلك إنه في دولة سليمة النظام لا يجد له مكاناً على الإطلاق في مجلس النواب " .
ومع ذلك ، جاءت النتيجة ، إنعكاساً لإفرازات المجتمع الإسرائيلي وأغلبيته ، ودفعت جدعون ليفي ليكتب في هأرتس يوم 18 / أذار يقول " ينبغي تغيير الشعب ، ومطلوب إنتخاب شعب إسرائيلي جديد ، فالحالي يتصف بالمرض ، ويبدو أن هناك شيئاً فاسداً ، بلا صلاح " والنتيجة التي وصل إليها الصحفي التقدمي الإسرائيلي هي أن " نتنياهو جدير بشعب إسرائيل ، وشعب إسرائيل جدير بنتنياهو " .
h.faraneh@yahoo.com