تراجع ترتيب الأردن في مؤشرات حرية الصحافة كافة، العام الماضي، وعلى رأسها مقياسا منظمة "مراسلون بلا حدود، وبيت الحرية" اللذان قد يقال إن لهما أجندات خاصة، وعلى علاقة بالصهيوينة والإستخبارت الأميريكة! لكن هل نتهم نقابة الصحفيين أيضا التي تراجعت حرية الصحافة في مقياسها أيضا سبع درجات؟.
العالم كله يعترف بوجود علاقة طردية بين حرية الصحافة والتنمية وجذب الإستثمارات واحترام حقوق الإنسان. كما أن هناك علاقة عكسية بين حرية الصحافة والفساد والفقر والبطالة. أي كلما ازدادت حرية الصحافة يقل الفساد وتقل نسب الفقر والبطالة. و"لا يمكن أن تحدث مجاعة في دولة فيها حرية صحافة". والعبارة السابقة ليست لي، إنما للحائز على جائزة نوبل في الإقتصاد العالم الهندي "أمارتيا سن"، الذي دَرَس كيفية توزيع الحكومة المركزية للمساعدات على الولايات الهندية خلال خمسين سنة. ووجد "سن" أن الخمس ولايات التي تسلمت أكبر المساعدات كانت الولايات الأكثر غنى في الهند، أما الخمس ولايات التي تسلمت أقل المساعدات فكانت الولايات الأقل غنى. بمعنى أن الأغنياء أصبحوا أكثر غنى والفقراء اقل فقرا. وقد أثارت هذه النتيجة العالم "سن" فأخذ يبحث عن تفسيرات لها حتى توصل إلى ان استجابة الحكومة المركزية في توزيع المساعدات تناسبت طرديا مع عدد الصحف الموزعة في تلك الولايات. وفسَّر ذلك بأن الولاية التي تكثر فيها الصحف تستطيع توصيل صوت مواطنيها إلى الحكومة المركزية فتحصل على مزيد من المساعدات مع أنها أكثر غنى من الولايات الأخرى، أما الولايات التي لا يصل صوتها للحكومة فكانت تتلقى مساعدات أقل مع أنها الأكثر فقرا والأكثر أحقية.
في الأيام السابقة قرأت دراستين عن العلاقة بين حرية الصحافة والفقر اعدتهما "اليونسكو". وفي مقدمة إحداهما يقول الرئيس الأسبق للبنك الدولي جيمس ويلفنسون انه "لتخفيض الفقر يجب تحرير الحصول على المعلومات وتحسين نوعية الصحافة، فالناس الأكثر معرفة هم أقدر على اتخاذ خيارات أفضل".
الذي ارعبني أكثر هو العلاقة بين حرية الصحافة والإستقرار السياسي، فقد وجدت الدراسات أن الدول الأكثر حرية هي الأكثر استقرارا، وأن الأقل حرية هي المرشحة للإضرابات وربما التشظي. تذكَّرو أن تونس وليبيا ومصر وسورية واليمن كانت الأسوأ في حرية الصحافة قبل الربيع العربي.
وفي آخر مؤشر عن هشاشة الدول لعام 2014 جاءت جنوب السودان في المرتبة الأولى اي الأكثر هشاشة في العالم ثم الصومال 3، والسودان 4، واليمن 8، والعراق 13، وسورية 15، ومصر 31، ليبيا 41، ولبنان 46 وتونس 87 والأردن 83 ثم تأتي بقية الدول العربية. أما الدول الأكثر استقرارا فهي بطبيعة الحال الإسكندنافية.
وفي تقرير لمجلس الشؤون الخارجية الأميركي، الذي يعد بيت خبرة للكونغرس، يشير الى أن الأردن يواجه "خطر حدوث عدم استقرار داخلي هو الأكثر من "أحداث السبعينيات"، والأخطر هو أن تتلاقى التحديات الخارجية مع عدم الاستقرار الداخلي. وينبه التقرير الى أن الاعتماد فقط على الأجهزة الأمنية ليس كافيا، خاصة أن مديرين سابقين للجهاز الأكبر تخويفا استغلا سلطاتهما بالفساد المالي.
الأغرب في الدراسة أنها دعت واشنطن لتشجيع الأردن على "إعادة النظر في قوانين الإعلام لتوفير بيئة أقل قمعية للصحافة وتخفيف القيود على وسائل الإعلام".
في الأزمات، بشكل خاص، لا يجوز اعتقال الصحافيين ما دامت هناك وسائل أقل تكلفة على البلد، وأنا متأكد لو أن مسؤولا هاتف ناشر "سرايا" ورئيس التحرير لأقنعهما بسحب ما ادعت الحكومة أنه ترويج لمنظمة إرهابية. وبهذا "بنوخذ العنب وما بنقاتل الناطور"، ولكنّا في غنى عن عشرات البيانات التي تندد وتستنكر وتشجب وتدين من منظمات العفو الدولية و"هيومان رايس ووتش" وداعم ودافع وسند وغيرها.
عندما القي محاضرة عن حرية الصحافة في الأردن أعرض احيانا صورة الأشعة لكسر يد الزميل سامي محاسنة في تموز 2011 في أحداث ساحة النخيل. وسامي لمن يعرفه عنده "جرعة وطنية زيادة" فقد سامح الشرطة والحكومة، وفي إحدى المرات قال لي إن الشرطة أخطأوا في كسر يده لأنها أوجدت لك (أي لي) شغلا، وضحكنا كثيرا.
نصيحة للحكومة: لا توجدوا شغلا للعاطلين من العمل ممن يتصيدون الأخطاء.