الصين تتجه نحو الاعتماد على القوة الناعمة والساسة فيها يذهبون الى ضرورة انشاء صندوق للتنمية لتقديم المساعدات الاقتصادية للمنطقة العربية «الشرق الاوسط» يشابه نظيره الامريكي إلا أن المشروع لا زال في بدايته، كما ان هناك توجهات لانشاء بنك صيني للتنمية يماثل نظيره الذي أنشأته «بكين» في افريقيا لتطوير العلاقة مع العالم العربي او ما يسمى «الشرق الاوسط». التوجهات السياسية الصينية الجديدة تمثل حافزا للساسة في اليابان للتحرك بنشاط اكبر وفاعلية اذا اعلن رئيس وزرائها «شينزو ابيي» في زيارته الاخيرة للمنطقة عن تقديم مساعدات بقيمة «2.5 مليار دولار»؛ لمواجهة التحديات وخصوصا الارهاب، وهو العنوان المعلن لهذه السياسة، «طوكيو» ستقدم 350 مليون دولار لمصر و200 مليون للدول التي تواجه مخاطر متعلقة بالأزمة السورية والعراقية.
التحرك الياباني سريع وحاسم واذا ما قورن بالتحرك الصيني سنجد بونا شاسعا، فالصين قدمت للاردن على سبيل المثال هذا العام (8 ملايين دولار) كمساعدة لدعم مشاريع الطاقة المتجددة والمياه وبلغ ما قدمته للاردن منذ العام 1999 «162 مليون دولار» وهو رقم متواضع جدا اذا ما قورن بما تقدمه اليابان.
التحولات المقبلة في سياسة العملاقين الاقتصاديين تجاه المنطقة تسير على وقع التحولات الجيوسياسية التي أعقبت الربيع العربي وسياسات الطاقة الجديدة في الغرب وامريكا بشكل خاص، فضلا عن التداعيات المتولدة عن الازمة الاوكرانية، التحولات الجديدة في العمق تعكس التوجهات الامريكية نحو الباسفيك، فاليابان لا تعمل بمعزل عن الحليف الامريكي، وامركيا تعمل جاهدة على محاصرة الصين من خلال انشاء منطقة اقتصادية خاصة تضم دول جنوب شرق اسيا والباسفيك تمثل 44% من التجارة العالمية استثنيت منها الصين لتضيف بذلك بعدا جديدا وغير مسبوق الى سيطرتها على اسواق النفط ومنطقة الشرق الاوسط المورد الاساسي للصين.
الصين واليابان من اكبر مستوردي النفط من المنطقة العربية بل ان اعتماد الصين على نفط الخليج بات أمرا حيويا وجزءا اساسيا من نموها الاقتصادي، لمواجهة ذلك تعمل كلتا الدولتين على تنويع مصادر النفط خصوصا بعد الرييع العربي، فاليابان بالرغم من حادثة «فوكشيما» إلا انها تتجه نحو بناء المزيد من المفاعلات النووية والاعتماد على المورد الروسي للنفط، بدورها الصين اتجهت الى روسيا وعقدت صفقة ضخمة مع «موسكو» لتوريد الغاز، كما ان هناك خططا طموحة لبناء خط انابيب لنقل النفط عبر الاراضي الصينية باتجاه جنوب شرق اسيا، إذ إن هناك شراكة استراتيجية باتت تلوح في الافق بين موسكو وبكين.
رغم كل الاحتياطات الا ان نفط الخليج يبقى صاحب اليد الطولى في رسم سياسات الطاقة والتنمية اليابانية والصينية ولها انعكاسات واضحة على سياسة الدولتين، واليابان لا يمكن ان تترك الساحة العربية «الشرق الوسط» للصين لتتحرك فيه بحرية، فنشاط «بكين» العسكري يتوسع في المحيط الهندي ممتدا الى الخليج العربي، حيث زار الاسطول البحري الصيني موانئ الخليج العربي في محاولة للتأكيد على اهمية الممر البحري الذي ينقل اغلب واردات الصين النفطية، اليابان بدورها لا تخفي اهتمامها بالمنطقة العربية وزيارة رئيس الوزراء الياباني «ابيي» تعبير عن هذه الحقائق، فالساحة يجب ألا تبقى مفتوحة والطريق يجب ألا تكون ممهدة للصين.
اللافت في خضم هذه الجلبة ان الصين تملك رؤية متشائمة الى حد كبير للمنطقة العربية وترى فيها مستنقعا كبيرا مرشحا لاغراق قوى كبرى في الفوضى التي يعيشها، رغم ذلك فإن الصين لا يمكنها تجاهل الحقائق المتعلقة بالطاقة والتجارة الدولية، فهي الزبون الاول للسعودية وتجارتها للعالم العربي فاقت الـ100 مليار دولار، لذلك فإنها تعمل على تطوير وتنويع ادوات سياستها الخارجية ومصادرها من الطاقة واسواقها، التحولات في العالم العربي أشعلت التنافس الدولي وحركة المياه الراكدة بين القوى الكبرى ومنطقتنا العربية تتحول شيئا فشيئا الى ساحة صراع وميدان رماية للقوى الدولية يحتاج من الساسة العرب تدقيقا اكبر في السياسات الواجب اتباعها خلال السنوات العشر المقبلة، فالتفكير بالمستقبل عمل شاق ولكنه ضروري، وبناء السياسات يجب ألا يتم على عمليات تقييم فردية بل جهد مؤسسي واسع يتطلب تطوير اجهزة الدولة ومؤسساتها في عملية اصلاحية قادرة على مواكبة هذه التطورات وعدم الركون للنوايا الحسنة، والعناوين التسويقية للسياسات الدولية وعلى رأسها مكافحة الارهاب، فالفوضى التي يعيشها العامل العربي تحوي في باطنها ايضا فرصا لمن يمتلك روح المبادرة وقادر على مأسسة سياساته الخارجية والداخلية.