يحذر خبير اقتصادي، يشغل أيضاً منصباً حكومياً رفيعاً، من تبعات عدم رفع تعرفة الكهرباء على الاقتصاد، بحكم ما يعنيه ذلك من تنامي حجم المديونية بسبب أزمة الطاقة. وهو يطلق هذا التحذير بالقول: لا تقفوا في وجه زيادة التعرفة، لأن القادم أسوأ، وعلى الحكومة المضي في إصلاح الاختلالات في ملف الكهرباء، قبل فوات الأوان.
كلام الخبير صحيح بشأن الاختلالات تحديداً. لكن مخاوفه لا تنبع من معطيات الحاضر، بل هي مبنية على ما حدث في الماضي، نتيجة أسباب إقليمية تتعلق بوقف تدفق الغاز المصري، وأخرى لا تنفصل أبدا عن "التخبيص" الرسمي في إدارة ملف الطاقة عموماً.
مع العاصفة الثلجية، هدأ الحديث عن زيادة أسعار الكهرباء. وكان آخر كلام من النواب الرافضين للقرار، بتحويل الملف للجنة نيابية. لكن في النهاية، ستمضي الحكومة في تطبيق استراتيجيتها لمعالجة مديونية شركة الكهرباء الوطنية، والتي تبلغ حتى الآن، بحسب ما يقول مسؤول رسمي، نحو 5 مليارات دينار.
الخبير المسؤول نفسه يقول إن دعم الكهرباء مستمر خلال العام الحالي، اذ يقدر العجز بين النفقات والايرادات بحوالي 700 مليون دينار، من خلال ذاك المقدم لفئة المواطنين الأقل استهلاكا، أو التي يقل استهلاكها عن 600 كيلو واط شهرياً. وهذا المسؤول يدرك تماما المخاطر الاجتماعية والأمنية جراء الاقتراب من هذه الشريحة، بزيادة أسعار الكهرباء عليها.
بالنتيجة، يبدو كلام الخبير/ المسؤول صحيحا في عمومه بالتحذير من الأسوأ. لكن البوابة إلى ذلك ليست الكهرباء وحدها، بل ثمة أبواب كثيرة تشرع لإمكانية وقوع المحذور.
فالأسوأ قادم ليس فقط لأن الحكومة قد تتوقف عن زيادة أسعار الكهرباء، بل لأن معدلات البطالة بين الشباب تحديدا آخذة في الارتفاع؛ ولأن هذه القنبلة الموقوتة قد مضى عليها زمن طويل من دون استجابة حقيقية، فلم تعد تنتظر إلا أن يسحب أحد فتيلها.
مخاطر أزمة الشباب بدأت تتجلى في أكثر من جانب، أخطرها افتراسهم من قبل الفكر الإرهابي المتطرف، كما جعلهم صيدا سهلا للمخدرات التي تنتشر في جامعات ومدارس، ومدن وقرى وأحياء.
والأسوأ قادم لأن مشروعا واحدا ضخما لم يعلن عنه، يسهم في حل مشكلات الاقتصاد الذي لن يشهد تحسنا إن لم يتحسن الاستثمار وتقام المشاريع.
والأسوأ قادم فعلا بسبب الفشل في احتواء الفقر، ناهيك عن استئصاله؛ فبقي يفتك بآلاف الأسر، بل ويفترس أخرى جديدة ظلت تقاوم، حتى وقعت في براثنه. وكل ذلك نتاج أداء حكومات اعتمدت طريقا واحدة للإصلاح، هي الإصلاح الرقمي، فيما أسقطت من حسابها إصلاح حياة الناس.
والقادم أسوأ لأن كل ما تم على صعيد محاربة الفساد، في ملفات كبيرة أو صغيرة، لم يقنع الأردني بأن بلاده أصبحت خالية من هذه الآفة المدمِّرة للحاضر والمستقبل، وبأن الفاسدين لقوا عقابهم ومصيرهم السيئ بعد أن تطاولوا على المال العام، خصوصا مع تراجع موقع الأردن في مؤشر الشفافية العالمي.
والقادم أسوأ لأن حجم المديونية بات ثقيلا حد العجز عن حمله، فيما التفكير في حلول لها يُعجز العقل، طالما أن المطلوب صار أقرب إلى وصفة سحرية مستحيلة! هذا فيما النمو الاقتصادي غير كاف لتحقيق التنمية المأمولة.
على الضفة الأخرى، لدينا حسنات وإيجابيات أنجزتها الحكومة الحالية، من قبيل محاولة استعادة هيبة الدولة وتطبيق القانون، وحل مشكلات المالية العامة بفرض الضرائب ورفع الأسعار، وليس تحقيق معدلات نمو كافية. لكن هذه ربع الكأس الممتلئة ولا أقول نصفها، والخوف أن يتبخر جزء منها، حتى تصبح الكأس خالية.