محزن جدًا أن يبقى خطاب أحزاب المعارضة في الأردن على هذا النحو من الاستعلائية والعدمية، وبلغة لا تختلف كثيرا عن لغة الخطاب الرسمي.. "طالبت، وأعربت، وأدانت، ورفضت، وأعلنت، وشددت"….
أمس وصلَنا بيان من احزاب المعارضة الاردنية، جاء فيه: "طالبت لجنة التنسيق العليا لأحزاب المعارضة الوطنية الأردنية بانسحاب المملكة من التحالف الامريكي الذي يسعى لرسم خرائط جديدة في المنطقة.
وقالت أحزاب المعارضة في تصريح صحافي: "ان حماية واستقلال وسيادة البلاد بالابتعاد عن سياسة المحاور والاحلاف. كما تطالب الاردن بالانسحاب من التحالف الامريكي الذي يسعى لرسم خرائط جديدة في المنطقة، ولا توجد أية مصلحة للاردن بالاشتراك بهذا التحالف". انتهى الاقتباس من بيان الاحزاب.
بيان احزاب المعارضة (الحلمنتيشي) لم يتوقف عند قضية داعش ومشاركة الاردن في الحرب ضد هذا التنظيم، بل كان شاملا، وناقش قضايا الساعة كلها، من غياب الاصلاح، الى الرسوم الجامعية، والاعتداءات على الاقصى، والمصالحة الفلسطينية وقضية الاسرى، والقضايا العربية، الى حالات التسمم الغذائي.
البيان يأتي ثمرة اجتماع لامناء الاحزاب او من ينوبون عنهم، وبعد ذلك يكلّف المسؤول عن دورية قيادة هذه الاحزاب بصياغة البيان وتمريره الى الاحزاب من اجل الموافقة عليه.
هذا ليس مجال التساؤل هنا، لكن السؤال: مَن كان مِن قادة هذه الاحزاب جالسا حول طاولة اجتماعات التحالف كي يقرر انه "يسعى لرسم خرائط جديدة في المنطقة"، ومن هو العبقري الذي قدم بديلا لمشاركة الاردن في هذا الحلف، وقرر وحده ان ذلك في مصلحة البلاد.
لا يريدون ان يشارك الاردن في اي حلف او محور، وكأننا جزيرة معزولة عما يجري حولنا، لا نتأثر ولا نؤثر، فهل من خلال بيانات هذه الاحزاب ممكن ان نمنع النار من ان تصل (لا سمح الله) الينا؟.
المشكلة هي أن الجميع وعلى رأسهم احزاب المعارضة، يشاهدون ما يفعله تنظيم داعش من بربرية وقتل وجز رقاب، ويصمتون عليه مثلما صمتوا عن القتل الوحشي الاسرائيلي في قطاع غزة، ويصمتون على بشاعة القتل والارهاب في سورية والعراق وليبيا..
بيننا؛ مَن يطرح سؤالًا: ما هي مصلحتنا في الوقوف مع الغرب لمحاربة داعش ومَن على شاكلته؟! الجواب باختصار: هو في صميم مصلحتنا، لأن هذا السرطان الجديد، يتمدد فوق أرضنا، ويعمل على تغيير نمط حياتنا، ويفرض تطرفه وجهله علينا.
لقد خرج من بين احشائنا، ولم ينتجه الغرب، إنما احتضنه، ودعمه، ووضعه على خط حياتنا ليهددنا به.
لا أحد يمرر علينا أن معركة داعش ليست معركتنا، ولا يتفصحن أحد علينا بطلب الحوار مع هذا التيار، لانه أصلا لا يعترف بالحوار ولا يعترف بالآخر، ولا يعترف بإسلام أكثر من نصف المسلمين.
من يرفع الصوت ضد محاربة داعش في كل مكان، هو في الحقيقة من المؤيدين لهذه الأفعال بحجة السُّنّة والشيعة، وهو في داخله مع القتل والسحل وجز الرقاب من الوريد الى الوريد.
لنتصارح مع أنفسنا قليلًا، ونكشف عن نوايانا على الأقل أمام انفسنا، بأن صمتنا ورفضنا للتخلص من داعش واشكاله جزء من المؤامرة علينا وعلى حياتنا المدنية.