حتى لو كان تصويت مجلس العموم البريطاني رمزيًا، وغير ملزم قانونيًا للحكومة البريطانية، لكنه تصويت أخلاقي ضميري من ممثلي الشعب البريطاني، ونوع من التكفير عن الذنب الكبير الذي صنعه أجدادهم بوعدهم المزعوم للشعب اليهودي وحقهم في فلسطين.
من تابع جلسة البرلمان البريطاني على الهواء مباشرة، يدرك جيدًا حجم التغيير الأخلاقي الذي أصاب عقل البرلماني البريطاني، الذي يتحدث عن حق الشعب الفلسطيني في الحياة، وعن دوره في تنفيذ مزيد من العزل وسحب الشرعية الاخلاقية عن دولة اسرائيل.
مهما كانت توقعات المراقبين والمتابعين، وحتى الأشخاص الذين ساهموا في هذا الانجاز التاريخي، والذين أنجزوا حراكًا على الأرض وغيّروا في توجهات الرأي العام البريطاني، فلا أحد توقّع أن تكون النتيجة بهذا الشكل إذ صوت 274 مع الاعتراف بدولة فلسطين، مقابل 12 ضد.
اذا كانت صدمة التصويت أصابت الداعمين للقرار، فكيف كان وقعها على الكيان الصهيوني، الذي لم يستطع حلفاؤه في الدول الاخرى والحركات الصهيونية العالمية، منع تحقيق هذا الانجاز، وزيادة عزلة اسرائيل في المجتمع الدولي.
هذا الانجاز يعد خطوة أولى على طريق فتح الآفاق العالمية، بما فيها الأوروبية، لمزيد من الاعتراف بدولة فلسطين، وعاصمتها القدس الشرقية وحق العودة للاجئين.
لقد صوت حزب العمال (يسار وسط) وحزب الديمقراطيين الاحرار(يسار وسط)، الى جانب القرار في حين امتنع عن التصويت نواب حزب المحافظين، ولا يوجد الآن أمام حكومة كاميرون الذي تغيّب عن التصويت إلّا احترام إرادة مجلس العموم البريطاني، والاعتراف رسميًا بدولة فلسطين وفقًا لقرارات الأمم المتحدة في 29 نوفمبر 2012، وعدم الانحياز لمواقف حزب المحافظين.
هذا الانتصار الرمزي يضاف الى الانتصار المعنوي الذي تحقق للشعب الفلسطيني قبل عامين، والتصويت الاممي الذي تحقق لمصلحة الفلسطينيين،عندما صوت ضمير العالم الى جانب اعدل قضية وضد آخر احتلال في الوجود.
الفلسطينيون تعلموا الدرس، وأدركوا أن عليهم ألا يكرروا الأخطاء ويقعوا بخطأ استراتيجي قاتل مميت؛ كما وقعوا بالخطأ الاستراتيجي عام 1974، وقرار قمة الرباط العربية بداية تشرين الثاني (نوفمبر) 1974، والاعترافات الدولية التي وقعت، فقد كان ممكنا منذ ذلك التاريخ أن تدخل فلسطين عضوا مراقبًا، لكن جاءت "نصائح ضارّة" من عدد من الدول العربية وعدد من الدول في أوروبا للرئيس عرفات بأن هذا سوف يقفل الباب بوجه الأميركان، ولذا عليك ترك الباب مفتوحًا، ووقعوا مرة أخرى بهذا الخطأ في عام 1988، بعد أن كانوا متفقين على قرار المجلس الوطني بالاجماع بتشكيل حكومة مؤقتة، ويدعون العالم للاعتراف بها وبدولة فلسطين، ويذهبون بعد ذلك إلى الأمم المتحدة، كما تكرر الخطأ في أيار (مايو) 1999، حيث ضيعوا 12 عامًا إضافية بمفاوضات فاشلة، إضافة إلى عشرين عامًا من المفاوضات العقيمة، مقابل وعود معلقة في الهواء، وأوهام من الإدارة الأميركية التي تمارس ضغوطها على الفلسطينيين وعلى دول عربية أيضًا وعلى أصدقاء فلسطين في العالم.
صحيح ان اسرائيل ردت على القرار البريطاني باقتحام الاقصى، وسمحت للمستوطنيــــن بتدنيســــــه، الا ان رسالـــــة بريطانـــيا كانــــت اكثر وضـــــوحا، "كش ملك"