اعرف جيدًا حجم الغضب الذي عاشه وزير الاعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة في الساعات الماضية، الدكتور محمد المومني، الذي اضطر بحكم عمله ان يعلن قبل يومين ان الحفريات في عجلون ليست سوى أعمال انشائية، ليأتي بعد اكثر من 72 ساعة وزير الداخلية ويكشف عن ان قصة الحفريات في عجلون ما هي سوى عمل عسكري بحت لتقوية شبكة الاتصالات العسكرية لمنطقة الشمال، ولا يوجد ذهب ولا ما يحزنون، ويحمل غياب المعلومة المسؤولية في اثارة اشاعات الذهب.
اعتراف الحكومة المتأخر أفضل بكثير من عدم الاعتراف، بحيث ينهي حالة الفراغ الفكري، والفوضى المعلوماتية التي عاشها الاردنيون في الايام الماضية، ويكشف عن حقيقة كيف تأكل الدولة ابناءها، بقصد او بغير قصد، وتضعهم في موقع الشاهد الذي لا يعرف شيئا.
ليس وزير الاعلام الصديق الدكتور محمد أول ضحايا غياب المعلومة، فقد عرفنا وزراء اعلام كثيرين وقعوا ضحايا أيضا لأحداث كان من الممكن تجاوزها لو كان التنسيق أكثر تواصلًا وسرعة.
للتاريخ؛ إن الدكتور المومني يحاول دائما التواصل مع الاعلام، بكافة الوسائل لتوضيح معلومة او شرحها او التعليق عليها، ويطلب دائمًا ــ اذا لم تكن المعلومة مكتملة عنده ــ ان يُمنح وقتًا للتواصل مع الجهات المعنية للحصول على المعلومة ومن ثم الاجابة عليها، ويفعل ذلك بمهنية واقتدار، وفي كل الاوقات، وفي ساعات الليل المتأخرة.
قَبْل المومني وقَع وزراء اعلام آخرون ضحايا غياب المعلومة، والكل يتذكر الوزير سمير مطاوع عندما اعلن ــ عقب وقوع حادث اغتيال خالد مشعل في عمّان ــ ان مشاجرة وقعت في شارع وصفي التل (الجاردنز)، وبعد 48 ساعة عاد وتراجع عن تصريحاته، وأعلن حقيقة ما جرى.
كما ان الوزير والزميل والصديق سميح المعايطة لا يزال يتحمل وزر تعليقات المواطنين، بانه وزير النفي عندما كان وزيرا للاعلام، لكثرة تصريحات النفي التي كان يقوم بها، والسبب وراء ذلك هو غياب المعلومة، او للدقة تحكّم قنوات معينة في المعلومات التي تصل للوزير المعني بالخروج الى وسائل الاعلام.
هذا الواقع منتشر في الحياة السياسية الاردنية منذ عشرات السنين ولا يزال قائمًا حتى الآن، مع التطور المذهل الذي أصاب وسائل الاعلام، وسرعة انتشار المعلومات، لكن الذهنية التي تحكم "حارس البوابة" لا أقصد المحرر الصحافي بالتأكيد، وانما الذي يمتلك حقيقة المعلومات، لم تتغير ولا تزال تعمل بطريقة "كتابنا وكتابكم..".
من الظلم أن تبقى الدولة تأكل رجالاتها، وتسمح ان يكونوا ضحايا بيروقراطية شديدة، وعقلية أمنية غير مرنة، تعتقد انها "ابو العرّيف"، وهي وحدها القادرة على توجيه مصالح البلاد والعباد.