يستمتع من يقرأ دراسة التهرب الضريبي التي أعدها الدكتور معن النسور لصالح المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وفيها ما فيها من الأساليب العلمية الحديثة لقياس حجم هذا التهرب بشكل أكاديمي ومحايد.
الدراسة ذاتها زودت المتابعين والمحللين باستنتاجات لافتة في مقدمتها أن معظم التهرب الضريبي محليا يدور في فلك ضريبة المبيعات وليس الدخل كما كان الاعتقاد سائدا في السابق.
كذلك، وضحت الدراسة أن حجم الاعفاءات الضريبية «غير المدروسة» يفوق فاقد الضريبة الناشئ عن التهرب من ضريبتي الدخل والمبيعات.
باختصار، تقول الدراسة إن الاعفاءات تبلغ 900 مليون دينار سنويا، فيما التهرب من ضريبة المبيعات 400 مليون والتهرب من ضريبة الدخل 200 مليون دينار.
بيد أن ما لم تقم الدراسة باحتسابه رغم الاشارة اليه، فاقد الضريبة الناتج عن عمليات «التجنب الضريبي» أو ما يمكن تعريفه بـ «التهرب القانوني» من ضريبة الدخل عبر استغلال الثغرات القانونية في تشريعات الضرائب.
صحيح أن الدراسة اعتبرت «التجنب الضريبي» نشاطا لا يحاسب عليه القانون، لكنه في واقع الأمر «تهرب» من حيث كونه خاضعا بالأصل لضرائب عجزت الخزينة عن تحصيلها بسبب الثغرات التشريعية المستغلة من قبل المتجنب.
ما يزيد من أهمية احتساب مقدار «التجنب الضريبي» – وهو ما تجنبه فريق النسور- أن التجارب العالمية تشير الى تجنب ضريبي يناهز أو يفوق حجم التهرب غير القانوني بمراحل متعددة.
كما لا يمكن على هذا الصعيد اغفال الشكوى الدائمة لدائرة ضريبة الدخل من ضعف التشريعات التي تمكنها من ردع التهرب وتحصيل حقوق الخزينة خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمتأخرات الضريبية التي تناهز محليا 2 مليار دينار.
قد يقول قائل بأن أساليب التجنب الضريبي في تطور مستمر، وأن عملية حصرها وتقليصها تصطدم بعوائق متعددة مهما بلغ مستوى تقدم التشريع. الطرح السابق لا يخلو من المصداقية، ولكنه لا يعني الاستكانة للوضع القائم، خصوصا أن التجارب العالمية أثبتت نجاح التشريعات المتقدمة والمحدثة بشكل مستمر من تقليص حجم التهرب الضريبي أو زيادة كلفته على أقل تقدير.
الغريب أن ما يناقشه المشرعون في قانون الضريبة الجديد لا يتجاوز نسب الضريبة الجديدة، فيما تبقى صــــلابة التــــشريع وتجاوز الثغرات على الرف!