كنَّا أمة تعيش على هامش التاريخ، وفي ذيل الأمم ضعيفة مَنْسيَّة مهملة.
فالروم والفرس على أطراف جزيرتها يتبعهما فريقان يحكمان بالنيابة الغساسنة والمناذرة، ليس لهم في العلم باع، ولا في الاقتصاد وجود، عندهم بيت يعظمونه بتمام الجهل والتخلف حتى اذا قصده الاشرم ابرهة لهدمه خلوا بينه وبين بيتهم ولم يزد عبد المطلب على القول:
اللهم إن العبد يحمي رحله فاحم رحالك.
لا يغلبن صليبهم ومحالهم يوماً محالك.
إنْ كنت تاركهم وشأنهم فأمرٌ ما بدا لك.
جاءهم الرسول بالكتاب الذي جَسّم الحرية والعدل والكرامة وخدمة الإنسان فجعل منهم خير امة بشهادات خصومهم في أطراف الأرض.
حتى قال جورج برناردشو الحائز جائزة نوبل: "ما أحوج العالم إلى رجل كمحمد يحل مشكلاته بينما يحتسي فنجاناً من القهوة".
أمة تركت الحروب البينيّة التي استمرت مائة سنة كحرب البسوس وداحس والغبراء.
كان العالم يؤله الأشخاص والحكام والقوة البطش وكان العرب يؤلهون الأصنام المصنوعة بأيديهم حجارة كانت أو تمراً إن جاعوا أكلوها.
اصبح العرب أمة حضارة، نعم أمة حضارة.
خرج الجيش الإسلامي من سمرقند بحكم قاضي المسلمين؛ لأنه لم يعط أهلها مهلة ثلاثة أيام.
وقال أهل البلاد المفتوحة التي كانت تحت حكم الرومان للمسلمين الفاتحين: أنتم أحب إلينا من الروم وهم على ديننا.
يحارب صلاح الدين جيوش الفرنجة بينما يرسل طبيبه الخاص لقلب الأسد ريتشارد عدوه في المعركة ليعالجه.
ويرسل مع نساء الجيش الغازي من يحرسهن، ويوصلهن بر الأمان ليلحقن بأهلهن في أوروبا.
دانت الأرض للفكرة لا للسيف، وللأخلاق لا للجيش وللقيم لا للغرائز فأصبحوا رسلاً يحملون الرسالة، أحبَّ القوم الفاتحين العرب وحتى أحبوا لغتهم وتعلموها وأرسلوا أبناءهم وبناتهم للتعلم في جامعاتهم، وكَتَب شبابهم الحروف العربية على قمصانهم.. لماذا؟
أيها الشاب العربي: لست مُنْبتَّاً ولست طارئاً ولست سطحياً إنما أنت من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، حمل أجدادك كلمة طيبة جميلة اسعدت البشرية ردحاً من الزمن.
وغيرك يخترع له تاريخاً بالتزوير فيدفن في الأرض ما يستخرجه بعد شهور ليدلل على وجود له في التاريخ!!
لو ذهبت إلى الهند لوجدت من أجدادك الفاتحين من فتح فكي الأسد بيديه يراه الناس ويتناقلون أخباره، ولو ذهبت إلى الصين لوجدت أجدادك بأخلاقهم لا بسيوفهم.
لو علمت أن ملكاً من ملوك أوروبا أهدى لخليفة عثماني "ثريا" تزن أربعة أطنان موجودة الآن في اسطانبول في (توب كبي).
وهنا في بلادك تَصارع العجز والعزيمة، تصارع الماضي الغابر والحاضر الواعد.
تصارع الجور والعدل، تصارع اليأس والأمل.
تصارعت العبودية والحرية كما تتصارع اليوم.
تصارع كنز القناعة وبحار الجشع، فانتصرت الدنيا الكريمة المستجيبة لنداء العقل، ونَعُمت بالكرامة والعدل ورغد العيش حتى لا يجد المال من يأخذه، ولكنها عادت لمآسيها من جديد تبحث عن منقذين وهم على مقربة منها.
واقرأ هذه الرسالة وجوابها لا للتَّحسر إنَّما لتحديد واجبك تجاه المستقبل وهو قادم إن شاء الله ولتنفض عنك غبار اليأس والكسل:
من جورج الثاني ملك إنجلترا والغال* (جزء من فرنسا اليوم) والسويد والنرويج إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام، وبعد التعظيم والتوقير فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من أربعة أركان، ولقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة دوبانت على رأس بعثة من بنات أشراف الإنجليز تتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم، وحماية الحاشية الكريمة وحدب من اللواتي سيتوافرون على تعليمهن. ولقد أرفقت مع الأميرة الصغيرة هدية متواضعة لمقامكم الجليل أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص.
خادمكم المطيع جورج ملك إنجلترا)
وهذا جواب الخليفة الأندلسي هشام الثالث..
(بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه سيد المرسلين وبعد: إلى ملك إنجلترا والغال والسويد والنرويج... اطلعت على التماسكم فوافقت على طلبكم بعد استشارة من يعنيهم الأمر من أرباب الشأن، وعليه نعلمكم أنه سوف ينفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي. أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد، وبالمقابل أبعث إليكم بغالي الطنافس الأندلسية وهي من صنع أبنائنا هدية لحضرتكم وفيها المغزى الكافي للتدليل على التفاتتنا ومحبتنا والسلام.
خليفة رسول الله في ديار الأندلس:
(هشام الثالث)
هكذا كنتم رحمةً للعالمين وسعادةً للبشرية وأنصاراً للحق والحرية والكرامة وأمّا اليوم فلا يحتاج إلى وصف، ولكن الغد ينتظركم كما انتظركم أول مرة فكانت أول تباشير الفرج "اقرأ" ثم تلاها "ولقد كرَّمنا بني آدم". وختمها (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً).
هكذا كنا فهل سَنَعود؟ نعم سنعود ولكن بالعمل لا بالأمل فقط.