طرفا المشكلة في الحركة الإسلامية؛ قيادة جماعة الإخوان المسلمين وأركان "زمزم"، لم يجيبا عن سؤال مفتاحي: هل يرغب كل منهما في البقاء معا في إطار تنظيمي واحد؟
الواضح من قرار المحكمة الإخوانية بفصل القياديين الثلاثة، أن الجماعة، أو على الأقل قيادتها المتنفذة، لا تريدهم بين صفوفها. بيد أن تيارا لا يستهان به داخل الحركة لم يرق له قرار المحكمة، وشعر بالإحراج الشديد، ويأمل بتسوية للخروج من المأزق. لكن قبل البحث عن مخرج، يتعين الإجابة عن السؤال: هل ترغب قيادة الحركة في استعادة المفصولين حقا؟
قادة "زمزم"، في المقابل، لم يحسموا جوابهم عن هذا السؤال، ويبدو أنهم في حيرة من أمرهم. صُدموا بالقرار؛ هذا صحيح، خاصة وأنه جاء في وقت كان أحد قادة الحركة الإسلامية يقود جهود وساطة اقتربت من نهاية إيجابية. لكن القياديين الثلاثة وأقرانهم في المبادرة، لم يتفقوا بعد على توجه واحد بشأن استئناف قرار المحكمة من عدمه. وفي اعتقادي أنهم لن يتمكنوا من التوافق على موقف واحد قبل أن يجيبوا عن السؤال المركزي: هل نريد البقاء في صفوف الجماعة أم لا؟
لكن، ما الذي دفع بقيادة الإخوان المسلمين إلى اتخاذ قرار مفرط كهذا؛ فصل القياديين الثلاثة فصلا نهائيا؟
مزاج الإسلاميين في الأردن، ومنذ الإطاحة بحكم الإخوان في مصر وعزل الرئيس محمد مرسي، تبدل تماما تجاه كل من يخالفهم الرأي. لقد أصيبوا بالفجيعة من حلفائهم اليساريين والقوميين والليبراليين الذين عملوا معهم في إطار تنسيقي واحد لعدة سنوات، وما لبثوا أن انقلبوا عليهم ساعة "الانقلاب" في مصر.
بعد تلك المحطة المفصلية، فقد الإسلاميون القدرة على قبول الآخر؛ صاروا أكثر ميلا للانغلاق؛ "كل من ليس معنا فهو ضدنا".
الإحساس بأنهم مستهدفون، وضحايا مؤامرة كبرى؛ هنا وفي مصر وفي كل مكان في العالم العربي، دفعهم إلى الانطواء، والتشدد في المواقف حيال من يخالفهم في الرأي. وقد سمعنا من قادتهم في الأشهر الماضية سيلا من الاتهامات، طالت أنظمة وتيارات وأشخاصا.
في هكذا مناخ، لم يكن مستغربا أن يطال الإقصاء قيادات من الحركة ذاتها، لا بل ويبدو منطقيا أن تكون العقوبات بحقهم متشددة، في رسالة ذات دلالات لمن يخالف الحركة رأيها من الخارج.
لقد كانت "زمزم"، وبالمقاربة التي تبنتها كحركة مجتمعية، فرصة نادرة للإسلاميين للانتصار لثقافة التنوع، ومقاومة رياح التشدد والاقصاء، والتي كانت عارضا طبيعيا وموضوعيا لما حدث في مصر وللحركة الإسلامية هناك.
لكن الإسلاميين فوتوا الفرصة بقرار المحكمة المتعسف، ومنحوا خصومهم الذين لا يتحلون جمعيا بالموضوعية والإنصاف، الفرصة للقول: أنظروا، الحركة الإسلامية عاجزة عن تقبل من يختلف معها من أبناء الحركة، فكيف تقبل مجتمعا متنوعا بثقافاته وميوله وهوياته؟
إن الشعور بالظلم والاستهداف ما يزال يسيطر على الإسلاميين. والخشية أن يتحول إلى مأثور ثقافي وفكري، يدفعهم إلى الاعتقاد بأن سنوات الانفتاح على الآخر وقبول التنوع، كانت ذنوبا ينبغي التكفير عنها بانغلاق وتشدد حيال الآخرين، حتى لو كانوا من أبناء جلدتنا.
أما "زمزم"، فهي اليوم على مفترق طرق. وإذا ما أصر ت قيادة الحركة الإسلامية على تجاهل الإجابة عن السؤال "المفتاح"، فإنهم في المقابل لا يملكون نفس الخيار.