الدين العام ارتفع حوالي 2.4 مليار دينار خلال العام الماضي؛ وهي زيادة كبيرة. وإذا كان عجز الطاقة هو السبب الرئيس لها، إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة أن الدين قفز بشكل كبير، بعد أن كان ما قيمته 16.580 مليار دينار نهاية العام 2012.
الاقتراض الداخلي ظل مصدرا لتمويل عجز الموازنة، وإعادة جدولة الديون من البنوك. تؤكد ذلك الأرقام التي تُظهر أن قيمة سندات الخزينة التي أصدرها البنك المركزي الأردني منذ بداية العام الحالي ارتفعت بنسبة 14%، حتى بلغت 500 مليون دينار.
اتساع الاعتماد على الاقتراض الداخلي يظهر جليا عند مقارنة قيمته مع الفترة نفسها من العام الماضي، إذ بلغت قيمة السندات آنذاك حوالي 430 مليون دينار، بحسب نشرة البنك المركزي.
الاقتراض لا يتوقف عند هذا الحد، بل سيستمر على مدى الأشهر المتبقية من العام. ما يعني تشكيل ضغط على الأموال المتاحة للإقراض لدى البنوك المحلية. والأنكى من ذلك منافسة الحكومة للقطاع الخاص على التسهيلات المتوفرة لدى هذه البنوك، بحسب ما يسمح قانون "المركزي".
المشكلة أن حجم الاقتراض الداخلي يرتفع بالتزامن مع الحصول على امتياز أميركي تمثل في موافقة الحكومة الأميركية على كفالة قروض أردنية من الأسواق العالمية بقيمة إجمالية تصل إلى 2.2 مليار دولار؛ تتضمن قرضاً سابقاً بقيمة 1.2 مليار دولار، إضافة إلى مليار دولار جديد حصل عليه الأردن خلال الزيارة الأخيرة للملك عبدالله الثاني للولايات المتحدة.
توزيع المديونية بين داخلي وخارجي هو قضية جدلية. وبشكل عام، فإن كل الاقتراض مرير، ومخاطره عالية على الاقتصاد. لكن إيجاد توازن بين الحصص مسألة بحاجة إلى دراسة عميقة، تبعا لاحتياجات الاقتصاد، وقياساً على حجم المخاطر المتوقعة.
الدين الخارجي، مثلا، له كلف سياسية، ويُبقي الأردن واقتصاده تحت مجهر مؤسسات التقييم الدولية، ما يجعله دائم العرضة لإعادة التقييم. كما أن تعثر الدين الخارجي، لا قدر الله، لا يرحم، وكلفه بلا حدود.
أما الدين الداخلي، فأكبر سيئاته أنه يكبح دوران الاقتصاد، ويقلل فرص إنشاء مشاريع جديدة، أو ضخ أموال تنموية في الاقتصاد، خصوصا أن الحكومة ما تزال الزبون المفضل للمصارف المحلية.
ما يحدث له أكثر من تفسير، الأبرز بينها أن الحكومة لم تتخذ هذا النهج بعد دراسة وتمحيص، أو أن ثمة اختلافاً بين القائمين على الأمر؛ ما ينعكس على سياسة الاقتراض، وأخيرا إهمال الشكوى المستمرة للقطاع الخاص من محدودية فرص التمويل التي تستحوذ الحكومة على معظمها.
بغض النظر عن الأسباب، تظل النتائج سيئة؛ فالنمو الاقتصادي وتحسّن أداء القطاعات الاستثمارية هما أولى الضحايا لهذه السياسة. ونتمنى أن لا يكون هناك ضحايا جدد لسياسة إدارة ملف الدين.
القطاع الخاص دائم الشكوى من انخفاض فرص الحصول على قروض من البنوك، هذا عدا عن معاناته من ارتفاع الكلف بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، واتساع الهامش بين الفوائد على القروض وتلك التي على الودائع، والذي يبلغ لدى بعض البنوك نسبة 7 %، لكنه لا يقل عن 5 %. وهذه نسب مرتفعة بكل المقاييس والمعايير العالمية.
معضلة المديونية مستمرة، ووتيرة النمو المتحقق لا تسعف كثيرا. ومن باب أولى أن تفكر الحكومة في إنفاق القروض المكدسة لديها، بدلا من الاستمرار في الاقتراض من مختلف القنوات، وكيفما اتفق.
الحديث عن ضبط المديونية بات مملا ومكرورا. وما استمرار الكتابة بهذا الشأن إلا تحذير من نتائجها غير المحسوبة مستقبلا.