رفضت الحكومة التعليق على التصريحات المستفزة للسفير الإسرائيلي في عمان؛ وبما يصبّ في توسيع فجوة الثقة بين المجتمع وبين مختلف المسؤولين الأردنيين. إذ حاولت "الغد"، على مدى ساعات، الحصول على رد رسمي من الحكومة، إنما من دون أن تفلح جهودها في ذلك.
دانييل نيفو، السفير الذي غادر موقعه، بانتظار تسليمه لسفيرة جديدة، قال كلاما مهيناً. إذ زعم أن الانتقادات الكلامية التي توجهها القيادات السياسية الأردنية لإسرائيل، والمتعلقة باعتداءات وانتهاكات الاحتلال في القدس والضفة الغربية، كما في غزة، إنما تندرج في إطار محاولة ساستنا امتصاص غضب الشارع الأردني، وأيضاً تجاوز الضغوط التي تمارس على المملكة من قبل أطراف عربية لم يحددها.
ودليل نيفو على أن مسؤولينا يبطنون ما لا يعلنون، هو تعاظم وتطور التعاون الاستخباراتي والأمني عموماً بين الأردن وإسرائيل، وزيادة وتيرة التبادل التجاري بينهما. فيما حقق الجانبان، بحسبه، نقلة في التعاون الثنائي، تمثلت في الاتفاق على استيراد الغاز الإسرائيلي، وتزويد ميناء إيلات بالمياه المحلاة من العقبة.
وفي مقابلة أجرتها معه إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، صباح الخميس الماضي، بمناسبة مرور عقدين على توقيع اتفاقية "وادي عربة"، لخص السفير المغادر رسالته بأن بلده "لن يجد جارا أفضل من الأردن".
عملياً، قال السفير كلاما قاسيا بحق المسؤولين وليس الشعب، يرتقي إلى حد الإساءة لهؤلاء المسؤولين. وهو في إقدامه على ذلك يوجه تهمة "التُقية" لساستنا في إدارة العلاقة مع العدو الصهيوني، والذي لم تفلح عقود من السلام معه في تغيير الحقيقة الراسخة بشأنه، وهي أنه لا سلام مع عدو اغتصب الأرض، وانتهك العرض.
كان الأولى بالحكومة التي يصيب كلام السفير صدقيتها في الصميم، المبادرة من ذاتها إلى الرد على تصريحاته، وأن تطلب من دبلوماسي تعايشت معه سنوات، الاعتذار أو حتى نفي الكلام المنسوب إليه.
كما في كل مرة، تؤكد إسرائيل أنها عدو للحكومات والمسؤولين أيضاً؛ فالكلمات والمعاني في خلفية تصريحات نيفو مؤداها أن المسؤولين الأردنيين كاذبون، ليس في مواجهة طرف غريب، بل على مواطنيهم الذين يخدعونهم؛ تماماً كمن يراضي طفلا صغيرا بعد غضبه على تدمير ألعابه!
ما قيل يستفز الناس ويعيد فتح ملفات تشكل هاجسا للأردنيين. إذ سيتساءلون إن كان "تمثيلاً" كل ما قيل بشأن استشهاد القاضي رائد زعيتر؟ وكذلك إدانة الحرب الأخيرة على غزة، والتي خلفت آلاف القتلى والجرحى؟ وهل هي "أسطوانة" جاهزة إدانة ما يجري من انتهاكات خطيرة بحق المسجد الأقصى وغيره من مقدسات، هو كلام استعراضي؛ فيما يغرق المسؤولون في العسل مع العدو، ويشربون نخب المتعدي القاتل؟
بعد عقدين من السلام الوهمي، ما الذي تحقق؛ هل استطاع المسؤولون حماية الأردن نفسه من أطماع اسرائيل؟ وبعد عشرين عاما، هل احترم العدو خصوصية العلاقة مع الأردن، ولاسيما في موضوع الولاية على المقدسات؟ وهل حديث نيفو نابع من معرفة قائمة، كما يزعم، على كلام بهذا المعنى طالما سمعه من مسؤولينا، لتطييب خاطره حتى لا يغضب من كلامهم الذي الذي لا يخرج من أفواههم إلا للضحك على ذقون الأردنيين؟ هذه أسئلة برسم الإجابة. وتصريحات سفير العدو المهينة للحكومة بانتظار رد من قبل وزارة الخارجية؛ فما يحدث هو عدم لباقة دبلوماسية، وكلام فيه غطرسة المتحدث من موقع القوة. كما أن احترام الأردني الذي أهانه نيفو يتطلب ردا سريعا يتجاوز التصريحات الوهمية التي تحدث عنها.
عدم الرد اليوم سيعني مستقبلا أن أي كلام متعلق بانتهاكات إسرائيل، على قسوته، سيُفهم على أنه موجه للأردنيين وليس للعدو. وبذلك ربما تتولد قناعة شعبية خطيرة، بأن السفير كان محقاً تماماً، بأن إسرائيل لن تجد جيرانا أفضل من المسؤولين الأردنيين.