أخبار البلد - موسى الصبيحي
من الإرشادات الملفتة التي طَلَعتْ بها علينا هيئة مكافحة الفساد، رسالة إرشادية مضحكة إلى درجة السخرية تُبثّ على شاشة التلفزيون الأردني، تقول: إن الواسطة والمحسوبية شكل من أشكال الفساد، وتطالبنا الهيئة المحترمة بأن نتحلى بالمواطنة الصالحة ونُبلّغ عن أي حالات نشاهدها أو نسمع بها للواسطة والمحسوبية..!!
ومع ما تنطوي عليه هذه الرسالة من إضحاك، إلاّ أنني أتفق تماماً مع مضمونها بصورة عامة، لاسيّما وأن من أهداف الهيئة كما ورد في قانونها الكشف عن مواطن الفساد بجميع أشكاله بما في ذلك الفساد المالي والإداري والواسطة والمحسوبية، وسأفسح لنفسي الفرصة لكي أصدّق الهدف، وأصدّق الرسالة ومُرسلها، ومن هذا المنطق أجد نفسي اليوم بحكم مواطنتي "الصالحة" مدفوعاً إلى الإبلاغ عن حالة فساد وخيانة كبرى، وليس عظمى، قام بها وزير عامل في حكومة النزاهة الوطنية القائمة، علماً بأنه من أكثر أقطاب الحكومة إدّعاءً للنزاهة والشفافية وحديثاً عنهما، إذْ لا يكاد يخلو حديث له من هاتين الكلمتين، ومع ذلك فقد قام هذا الوزير، الذي سأجد نفسي مضطراً في وقت قريب أن أشير إليه بالاسم إذا لم تفعل هيئة مكافحة الفساد وغيرها من السلطات في الدولة شيئاً للتحقيق والمحاسبة في موضوع فساده ومحسوبيته، حيث قام هذا الوزير باستغلال موقعه الرسمي لتنفيذ لتنفيع آل بيته ومحاسيبه وأنسبائه، فقد قام بتسهيل انتداب زوجته من مكان عملها لدى إحدى الجهات الحكومية إلى مؤسسة أخرى، مع أن هذه الأخيرة قامت في الآونة الأخيرة بإنهاء خدمات المنتدبين إليها وإعادتهم إلى جهات عملهم الأصلية، لكن الوزير إيّاه أصر على انتداب زوجته إلى هذه المؤسسة لقربها من مكان سكنه من أجل التسهيل على زوجته، ومن المعروف أيضاً أنه في حالات الانتداب يظل المنتدَب يتقاضى راتبه من الجهة المنتدب منه، ويتقاضى إضافة إلى ذلك مكافأة شهرية من الجهة المنتدب إليها، كما قام بنقل شقيق زوجته من إحدى الوزارات إلى إحدى الدوائر شبه المستقلة التي تمنح رواتب ومزايا أعلى بكثير من الوزارة، ولم تقف حدود التنفيع لدى الوزير عند هذا الحد، بل قام أيضاً بتسهيل انتداب شقيقة زوجته من إحدى المؤسسات الرسمية إلى دائرة رسمية أخرى..!!! فماذا يعني أن يرتكب وزير عامل كل هذه التجاوزات التي تشتم منها رائحة فساد واضحة في الوقت الذي ما فتئت فيه الحكومة تؤكّد التزامها بقيم النزاهة والشفافية والعدالة، ويرأس رئيسها لجنة ملكية مكلفة بوضع منظومة للنزاهة الوطنية، كانت ولا تزال خلال حواراتها التشاورية تؤكّد على ضرورة ترسيخ أسس العدالة الاجتماعية ومحاربة الواسطة والمحسوبية، فهل ثمّة محسوبية أكبر مما ارتكبه الوزير المعني لتنفيع زوجه وأصهاره وأنسبائه..!!
أضع هذا البلاغ الخطير المختصر أمام الجنرال سميح بينو، بصفته رئيساً لهيئة مكافحة الفساد، ولأنني صدّقت ما تقوله الهيئة بضرورة الإبلاغ عن المحسوبية والواسطة، ولكوني أدّعي بأنني مواطن صالح، فهاأنذا بانتظار أن يتحرّك الجنرال فوراً للتحقيق في هذه القضية، وأطالبه بالحزم والصرامة وأن يكشف الحقيقة أمام الرأي العام، وأن لا تأخذه في الحق لومة لائم، وأن لا يجامل ولا يهادن ولا يساوم على حساب الحق والعدل، حتى لو كلّفه ذلك منصبه، فخير له أن يجلس في بيته مستريحاً راضي الضمير، من أن يستمر في عمله رافعاً بين يديه مكيالين، للنخبة من القوم مكيال وللدهماء من الناس مكيال..!! وإني أطالب بطرد هذا الوزير فوراً من الحكومة إذا ثبت ما فعله، وأطالب بمحاكمته ومحاسبته اليوم قبل الغد.. حتى يكون عبرة لكل منْ يتقلّد منصباً عاماً، وإلاّ فإن كل أحاديثنا عن النزاهة هراء وإضاعة وقت وضحك على الذقون، ولن تفيدنا أجمل مواثيق النزاهة إنْ وُضِعت، وستظل إرادة الإصلاح والعدالة موضع شك كبير في نفوسنا..!
أخيراً إذا لم يعرف الجنرال بينو منْ هو الوزير الذي أعنيه، فأنا على استعداد للتعاون، والإفصاح عن اسمه إنْ سُئلت، وإذا لم تُعِر الهيئة ولا جنرالها اهتماماً لهذا الموضوع، فلن أيأس، وسأعرض الأمر بين يدي صاحب الأمر وبدل المرة عشرات المرّات، لن أيأس ولن أستسلم مهما كان الثمن، مع ثقتي بأن ما كتبت سيُحرّك جنرال الهيئة بقوة وعزم، فقد أقسم على الوفاء والإخلاص، وعدم التهاون في مكافحة الفساد صغر أم كبر، ومهما كان مستوى فاعله..
Subaihi_99@yahoo.com