الثورة الــفــيــســبــوكــيــة .. في التحركات الـثـوريـة
2011
أبدعت البشرية طرقا عدة للإتصال فيما بينها منذ الأزل .. من قرع الطبول ونفخ الأبواق وإستخدام النار والدخان , وذلك لتوصيل الأخبار والأنباء المهمة من منطقة لأخرى , وصولا إلى الحمام الزاجل , وإستخدام الشيفرة بكل أنواعها والتي كانت وسيلة لنقل المعلومات الخاصة بالحروب والثورات والإنقلابات , وبلغة مشفرة لا يفهمها إلا المرسل والمستقبل فقط , ضمانا للسرية وأهمية الموضوع.
ومع إنتشار التقنية الحديثة والتي بدأت بأجهزة مورس ثم إبتكار الهاتف والمذياع والتلفاز , وصولا إلى تقنيات البث بكل أنواعه عبر الأقمار الإصطناعية , وإنتهاءا بالهواتف المحمولة والإنترنيت , أصبح نقل المعلومة والخبر من الأمور التي ما عادت حكرا على المرسل والمستقبل فقط , وكما عهدنا سابقا , بل حقا متاحا للبشرية جمعاء في الحصول على المعلومة والخبر . وكلنا يعلم ما كانت تقوم به الأنظمة الشيوعية من حجب للمعلومة عن شعوبها تحت ما كان يطلق عليه في حينه , الستار الحديدي .
وبناءا على ما سبق , فإن لقب .. القرية العالمية .. والذي أطلق مؤخرا على كرتنا الأرضية , أصبح حقيقة واضحة للعيان , فالإتصال والتواصل بين شعوب العالم أضحى كما وأنه يحدث في قرية صغيرة , تعرف أخبار أهلها أول بأول .
ولعل أهم وسائل الإتصال الحديثة هذه , هو الإنترنيت , والذي تكون من شبكة عنكبوتية هائلة الحجم والمحتوى , ممكنة البشرية من تبادل كل أنواع المعلومات .. المقروءة والمسموعة والمرئية .. في ذات نفس اللحظة ودونما تأجيل أو تأخير , ومهما بلغت فنون الحجب والتعتيم والتشويش على هذه التقنية العظيمة .
ولعل موقع الــ فيس بوك facebook العالمي والذي صممه صاحبه , الطالب في جامعة أمريكية , كي يتمكن كافة طلاب هذه الجامعة من تبادل الأخبار الإجتماعية والأغاني والإهتمامات في تلك الفترة الشبابية من حياتهم .. أقول أن هذا المصمم الشاب لم يكن في أوسع تخيلاته الجامحة , أن يصبح موقعه هذا من أكبر المواقع التي تشارك بها البشرية جمعاء , ليزيد عدد منتسبيه عن 600 مليون مشترك , مصبحا بذلك , ثالث أكبر دولة (إفتراضية) في العالم .
إلا أن الأعجب , في حالتنا العربية , أن يصبح هذا الموقع من أهم المواقع التي يشارك بها المواطن العربي , بداية كوسيلة للتواصل الإجتماعي , الغرض الأساسي الذي صمم هذا الموقع من أجله , ليصبح وعلى قاعدة , الحاجة أم الإختراع , أهم وسيلة لحشد الجماهير والمؤيدين , للقيام بالتظاهرات والإعتصامات , ومنظما للتحركات الحزبية والنقابية , ومنبرا لتداول الأفكار الأيديولوجية والعقائدية . ولعل المسألة التونسية ومن ثم المصرية خير دليل على هذا الموضوع .
والمتابع لهذه المسألة المهمة يرى كيف يحشد الحاشدون لحشدهم , متواصلين مع مجموعاتهم التي تتضاعف أضعافا مضاعفة , وعلى طريقة التفاعل المتسلسل , الأصدقاء .. فأصدقاء الأصدقاء .. فأصدقاء أصدقاء الاصدقاء .. وهلم جرا .
وقد إتبعت حكومات أساليب تقنيات التعتيم والتشويش على هذا المواقع , إلا أننا نرى أن أي تقنية من هذا النوع , لها تقنية مضادة . وهكذا يبقى الحاشدون على رأس عملهم الحشدي .. وتبقى التقنية هى سيدة الموقف .
نقول .. أنه في ظل هذا التواصل التقني العظيم .. لا يمكن لسياسة الأبواب الموصودة والتي تتبعها بعض الحكومات والأنظمة , أن تستمر . وعلى تلك الأنظمة أن تستوعب أنه ما من أسلوب قد تتبعه للتعتيم والتشويش والتلاعب بالحقيقة , أن يجدي نفعا .. وأن الشعوب قد أتقنت التواصل .. وأن المغرضين من أعداء الأمة قادرون على التلاعب في شعوبنا في ظل غياب الشفافية وأساليب الحصول على المعلومة .. من خلال دس ما هو قابل للتصديق وإثارة الفتن والقلاقل في شعوبنا ..
على الأنظمة والحكومات في عالمنا العربي أن تعيد النظر في كل وسائلها الإعلامية , وأنظمتها الخاصة بالصحافة وحرية الرأي والرأي الآخر .. فلم يعد مجديا أن نقول للشعب أننا مسيطرون على الوضع تماما .. والدبابة الأجنبية تتحرك من خلفنا … أمام كل الناظرين والمستمعين .
عادل الحاج أبوعبيد - 28 يناير 2011