اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﻨﻘﺎﺷﯿﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻟﺠﻼﻟﺔ اﻟﻤﻠﻚ ﻋﺒﺪﷲ اﻟﺜﺎﻧﻲ، ﺗﻤﺜﻞ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻺﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﻤﻌﻠﻘﺔ واﻟﻤﻘﻠﻘﺔ
ﻟﻸردﻧﯿﯿﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﺤﻄﺔ اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت اﻟﻨﯿﺎﺑﯿﺔ اﻷﺧﯿﺮة، وﺑﻌﺪ ﺗﻌﺎﻟﻲ اﻷﺻﻮات اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﺗﺮاﺟﻊ ﻣﺴﯿﺮة اﻹﺻﻼح ﻓﻲ
اﻷردن. واﻟﻮرﻗﺔ ﻻ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺤﺎﺿﺮة، ﺑﻞ ﺗﺴﻌﻰ إﻟﻰ اﺳﺘﺸﺮاف ﻣﺴﺎر اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻷردﻧﻲ ﺑﻌﺪ ﻋﻮاﺻﻒ
اﻟﺮﺑﯿﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ.
اﻟﺸﻲء اﻟﺒﯿﻦ ﻓﻲ ﻛﻼم اﻟﻤﻠﻚ ھﻮ أن اﻷردن ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﺨﺎض، وﻳﺠﺐ أن ﻳﻤﺮ ﺑﺎﻧﺘﻘﺎل ﻣﺮﺣﻠﻲ ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ أھﺪاﻓﻪ
ﻓﻲ اﻟﺘﺤﻮل اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاطﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ؛ ﻓﺤﺮق اﻟﻤﺮاﺣﻞ ﻏﯿﺮ ﻣﻤﻜﻦ، إذ إن اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاطﯿﺔ ﺗﺮاﻛﻤﯿﺔ وﻣﺴﺘﻤﺮة،
وأﺳﺎﺳﮫﺎ ﺑﻨﺎء اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاطﯿﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺎس.
ﺣﯿﻦ ﺗﻘﺮأ ورﻗﺔ اﻟﻤﻠﻚ ﺗﺴﺘﻮﻗﻔﻚ؛ ﻓﮫﻲ ﺗﺘﻮاﻓﻖ ﻣﻊ ﻣﺎ أﺗﻄﻠﻊ إﻟﯿﻪ. وﻣﺎ ﻳﻘﻠﻘﻨﻲ ﻟﯿﺲ ﺧﺮﻳﻄﺔ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺘﻲ رﺳﻤﮫﺎ
اﻟﻤﻠﻚ ﻟﻠﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، ﺑﻞ ﺧﻮﻓﻲ ﻣﻦ أن ﻻ ﺗﻤﻀﻲ اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت واﻟﺘﻄﺒﯿﻖ، ﻹﻧﻀﺎج اﻟﻤﺮاﺣﻞ واﻷﺳﺲ اﻟﺘﻲ ﻳﺮاھﺎ
اﻟﻤﻠﻚ ﻟﺒﻨﺎء اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاطﯿﺔ اﻷردﻧﯿﺔ، واﻟﺘﻲ ﺗﺤﺮﺳﮫﺎ اﻟﻤﻠﻜﯿﺔ اﻷردﻧﯿﺔ اﻟﮫﺎﺷﻤﯿﺔ.
ﺷﺨﺼﯿﺎً، أواﻓﻖ ﺑﺄن ﺑﻨﺎء اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت اﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻧﯿﺔ ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺗﺮاﻛﻤﯿﺔ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ، وأن اﻟﻮﺻﻮل إﻟﯿﮫﺎ ﻳﺘﻄﻠﺐ وﺟﻮد أﺣﺰاب ذات
ﻗﻮاﻋﺪ ﻣﻤﺘﺪة ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻮطﻦ. وھﻨﺎ ﻋﻠﯿﻨﺎ أن ﻧﺴﺄل ﺑﺸﻜﻞ ﻻ ﻳﺤﺘﻤﻞ اﻟﻠﺒﺲ: ھﻞ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﻪ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ﻳﺼﺐ
ﻓﻲ دﻓﻊ ذﻟﻚ إﻟﻰ اﻷﻣﺎم، أم ﻛﻨﺎ ﻧﺤﺎﺻﺮ اﻷﺣﺰاب ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻨﮫﺾ؟
اﻟﻤﺤﻄﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻓﻲ ورﻗﺔ اﻟﻤﻠﻚ ھﻲ ﺷﻜﻞ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺮﻳﺪھﺎ وﺳﻤﺎﺗﮫﺎ؛ ﻓﮫﻲ ﺗﺪاﻓﻊ ﻋﻦ اﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ، وﺗﻜﺮس
اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ، وﺗﻌﻠﻲ ﺳﯿﺎدة اﻟﻘﺎﻧﻮن، وﺗﻔﺼﻞ ﺑﯿﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎت وﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮازن ﺑﯿﻨﮫﺎ، وﺗﺤﻤﻲ اﻟﺤﻘﻮق اﻟﺮاﺳﺨﺔ
ﻟﺠﻤﯿﻊ اﻟﻤﻮاطﻨﯿﻦ واﻟﻤﻮاطﻨﺎت.
وﻻ أﺷﻚ ﻓﻲ أن أﺣﺪاً ﻓﻲ اﻷردن ﻳﻌﺎرض ھﺬه اﻟﻤﺒﺎدئ أو ﻳﻘﻠﻞ ﻣﻦ أھﻤﯿﺘﮫﺎ ﻛﻨﻘﻄﺔ ارﺗﻜﺎز ﻟﻼﻧﻄﻼق. وأﻋﺘﻘﺪ أن
رﺑﻄﮫﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻘﺼﻮد ﻓﻲ ورﻗﺔ اﻟﻨﻘﺎش ﻣﺒﺎﺷﺮة ﺑﻀﺮورة ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﻨﻈﺎم اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﻲ، أﻣﺮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺻﺪﻓﺔ، ﺑﻞ ﻟﻠﺘﺄﻛﯿﺪ
ﻋﻠﻰ أن ﻗﺎﻧﻮن اﻻﻧﺘﺨﺎب ﺑﺼﻮرﺗﻪ اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ ﻻ ﻳﻘﺪم اﻟﻀﻤﺎﻧﺎت اﻟﻜﺎﻓﯿﺔ ﻟﻜﻞ ذﻟﻚ.
ﺧﻤﺴﺔ أدوار أﺳﺎﺳﯿﺔ ﺗﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪھﺎ اﻟﻤﻠﻚ ﻳﺠﺐ أن ﺗﺘﺤﻘﻖ ﻟﻨﻌﺒﺮ إﻟﻰ ﺑﺮ اﻷﻣﺎن ﻧﺤﻮ اﻹﺻﻼح؛ أوﻟﮫﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ
ﺑﺎﻷﺣﺰاب، وﺿﺮورة أن ﺗﺤﻮل ﻣﺎ ﻳﻨﺎدي ﺑﻪ اﻷﻓﺮاد إﻟﻰ ﺧﻄﻂ ﻋﻤﻞ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ، وﺗﻄﻮﻳﺮ ﺑﺮاﻣﺞ ﺗﺴﺘﺠﯿﺐ ﻟﺘﻄﻠﻌﺎت
اﻟﻨﺎس. أﻣﺎ اﻟﺜﺎﻧﻲ، ﻓﯿﺘﺼﻞ ﺑﻤﺠﻠﺲ اﻟﻨﻮاب، وھﻮ ﻳﻤﺎرس اﻟﺘﺸﺮﻳﻊ واﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ، وﻋﻠﯿﻪ أن ﻳﻮازن ﺑﯿﻦ
ﻣﺴﺆوﻟﯿﺔ اﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ، وﻣﺴﺆوﻟﯿﺔ اﻟﻤﻌﺎرﺿﺔ اﻟﺒﻨﺎءة وإﺧﻀﺎع اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻟﻠﻤﺴﺎءﻟﺔ. واﻟﻨﻘﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ
ﻳﻔﻮﺗﮫﺎ اﻟﻤﻠﻚ ھﻨﺎ ھﻲ ﺿﺮورة ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺪاﺧﻠﻲ ﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﻨﻮاب.
اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ھﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻓﻲ ﻟﻌﺒﺔ اﻷدوار، وﻋﻠﯿﮫﺎ أن ﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻘﺔ اﻟﻨﯿﺎﺑﯿﺔ، وأن ﺗﻀﻊ ﻣﻌﺎﻳﯿﺮ ﻟﻠﻌﻤﻞ اﻟﺤﻜﻮﻣﻲ
اﻟﻤﻤﯿﺰ، وأن ﺗﻠﺘﺰم اﻟﺸﻔﺎﻓﯿﺔ واﻟﺤﺎﻛﻤﯿﺔ اﻟﺮﺷﯿﺪة.
وﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ اﻷدوار، ﺳﻌﻰ اﻟﻤﻠﻚ إﻟﻰ ﺑﻨﺎء ﻣﻘﺎرﺑﺔ ﺗﺤﺪد اﻟﻤﺘﻐﯿﺮات اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ أن اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﮫﺎ. ﻓﺎﻟﻤﻠﻜﯿﺔ
اﻟﺪﺳﺘﻮرﻳﺔ ﻋﻠﯿﮫﺎ اﺳﺘﺸﺮاف اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، وﺣﻤﺎﻳﺔ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﻨﺰاھﺔ واﻟﻌﺪاﻟﺔ، وﺻﻮن اﻟﻮﺣﺪة اﻟﻮطﻨﯿﺔ واﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ
واﻟﺘﺴﺎﻣﺢ. واﻟﻤﻠﻚ ﻗﺎﺋﺪ ﻳﺤﻤﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ اﻻﻧﺰﻻق ﻧﺤﻮ أي ﺣﺎﻟﺔ اﺳﺘﻘﻄﺎب.
اﻟﺮﻛﯿﺰة اﻷﺧﯿﺮة واﻷﺳﺎﺳﯿﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻠﻤﻮاطﻦ؛ ﻓﺎﻧﺨﺮاطﻪ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاطﯿﺔ، واﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﻌﻤﻞ
اﻟﺤﺰﺑﻲ، ﻳﺸﻜﻞ اﻟﻠﺒﻨﺔ اﻷوﻟﻰ. وﺣﺘﻰ ﻳﺘﺤﻘﻖ ذﻟﻚ، ﻻ ﺑﺪ أن ﻳﺘﺤﻠﻰ اﻟﻤﻮاطﻦ ﺑﺎﻟﻮﻋﻲ، وﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﺑﺪﻻً
ﻣﻦ اﻹﻧﺼﺎت ﻟﻺﺷﺎﻋﺎت.
ھﺬه ﺧﺮﻳﻄﺔ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺪﻣﮫﺎ اﻟﻤﻠﻚ ﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻹﺻﻼح واﻟﺪﻳﻤﻘﺮاطﯿﺔ ﻓﻲ اﻷردن. وإن ﻛﻨﺖ أﺗﻔﻖ ﻣﻊ اﻷﻓﻜﺎر
واﻹطﺎر اﻟﻨﻈﺮي، ﻓﺈن اﻟﺴﺆال اﻟﺬي ﻳﻄﺮح ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻌﺪ ﻣﻀﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺷﮫﺮ ﻋﻠﻰ ﻋﻮدة اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻧﻲ: ھﻞ
ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺆﺳﺲ ھﺬا اﻟﺒﺮﻟﻤﺎن وﻳﺸﺎرك ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ھﺬه اﻟﺘﺤﻮﻻت، أم أن اﻟﻤﺆﺷﺮات ﺗﻘﻮل ﺑﺄن ھﺬا اﻟﻤﺠﻠﺲ ﻣﺤﻄﺔ
ﻣﺆﻗﺘﺔ ﻟﺘﺄﻣﯿﻦ ﻗﺎﻧﻮن اﻧﺘﺨﺎب ﺟﺪﻳﺪ ﺑﻤﻮاﺻﻔﺎت ﺗﺘﻔﻖ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻳﻄﺮﺣﻪ اﻟﻤﻠﻚ؟