أخبار البلد -
لا أحد يعلم فيما اذا كان بين كبار رجال الدولة الذين قدموا بيانات أشهار الذمة المالية في مغلفات مغلقة سرية، من قدم مغلفا يحتوى على ورقة بيضاء أو صفحة من صحيفة أسبوعية قديمة أو ربما رسالة غرام من روميو الى جولييت !
فبيانات الاقرار تقدم سرا ولا يجوز لأحد كائنا من كان أن يفتح المغلف ويطلع عليها ولا حتى رئيس دائرة اشهار الذمة وهو برتبة قاضي تمييز، وتفتح فقط اذا قدم أحد المواطنين شكوى-لاحظوا النص-( شكوى تتعلق بمقدم الاقرار معززة بالبيانات والايضاحات والوثائق اللازمة على أن يتم فتحه من رئيس محكمة التمييز ليقوم بدراسة الشكوى فاذا ثبت له جديتها يقوم باحالة الشكوى مع أقرارات الذمة المالية الى هيئة من هيئات فحص أقرارات الذمة المالية لتدقيقها وأتخاذ الاجراءات اللازمة ).
ولكن من يجرؤ على تقديم شكوى تشكك ببيانات ذمة مالية لمسؤول وهو لايعلم ماذا كتب المسؤول في الاقرار؟ وكيف له أن يعرف ان كان المال الذي يشك أنه أثراء مدون في أقرار الذمة المالية الذي قدمه المسؤول أم لا؟ هل هو أثراء طارىء أم قديم قبل تسلم الوظيفة؟ هل سجله المسؤول في الاقرار أم أغفله عمدا لتوريته؟ ومن أين للمواطن الوثائق والبيانات؟
فمن يقدم شكوى ويثبت أنها غير صحيحة يعاقب بالحبس من ستة أشهر الى ثلاث سنوات حسبما نصت المادة 13 من القانون.. ولذلك ومنذ صدور هذا القانون عام 2006 لم تتلق دائرة أشهار الذمة المالية أي شكوى ضد اقرار مسؤول!
لا أعرف ان كان الرئيس د فايز الطراونة قد قدم بيان أشهار الذمة المالية الخاص به حسب أحكام القانون، وقد كان كل رؤساء الوزارات والوزراء يسارعون الى تقديم أقرارات الذمة وكان بينهم من يسرب الخبر الى الصحافة لأضفاء هالة من الشفافية والتجرد والالتزام بالقانون على نفسه!
السؤال هو ماذا يفيد وماذا أفاد وجود قانون أشهار الذمة المالية من عدمه؟ والجواب عندي لم يفد بشيء ولن يفيد شيئا وسيظل مجرد ديكور نتحدث به الى منظمات الشفافية الدولية بصفتنا أحدى الدول الموقعة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد!
لقد جاءت فكرة هذا القانون في مرحلة مبكرة من السعي نحو الاصلاح الاداري ومحاربة الفساد غير أن من وضعوا مسودة القانون ومن مرروه تحت قبة مجلس الامة كانوا الاقل أيمانا بالاصلاح مثلما كانوا الاكثر دهاء في وضع نصوص تشريعية أحدها يشل مفعول الاخر وكل مادة تحول دون تطبيق المادة التي تليها أو تسبقها.
السؤال الذي أطرحه: لماذا يجب أن تكون أموال المسؤول سرية؟ لماذا تقدم الاقرارات بسرية تامة وما العيب في أن تكون كل أموال المسؤول النقدية والعقارية معروفة ساعة توليه العمل الرسمي ما دامت أموالا حلالا؟ هل نريد أخفاءها عن الضرائب؟ أم عن عين المواطن الحسود؟ أم لأرهاب كل من يفكر بتقديم شكوى أثراء غير مشروع ضد مسؤول؟
ولم لا نقول لكل من يرغب بتولي منصب رفيع: ان كانت ثروتك طائلة وتخاف من كشفها فلست بحاجة للمنصب، وان كانت يسيرة وأقرب الى الفقر فانها تشرفك ولا تعيبك اللهم الا ان كنت تنوي الانتقال الى نادي أصحاب الملايين.
لا أصلاح بدون شفافية، ولا شفافية مع السرية وأعتقد أن أفضل طريقة لأبعاد رجال الاعمال عن المناصب الرسمية أن تكون أقرارات الذمة علنية.