التقاعد المبكر سببه سوق العمل ونتيجته أزمة ضمان اجتماعي
الاقتصاد غير الرسمي يحرم الضمان من اشتراكات آلاف العاملين
حسام عايش: لا أحد ينتبه لجوهر الأزمة.. التحول للإنتاج هو الحل
راكان الخوالدة - أكد الخبير الاقتصادي حسام عايش أن التقاعد المبكر في الأردن ليس مجرد خيار فردي، بل نتيجة حتمية لجملة من الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وفي الوقت ذاته يتحول إلى سبب إضافي لتعقيد المشهد العام، خصوصًا فيما يتعلق باستدامة الضمان الاجتماعي وسوق العمل.
وأوضح عايش لـ"أخبار البلد" أن التقاعد المبكر في كثير من الحالات يكون بدفع من الشركات والمؤسسات، باستخدام أدوات مختلفة، ما يشكل ضغطًا إضافيًا على نظام الضمان الاجتماعي. وقال: "من المفترض بالحكومة أن تكون أكثر حرصًا على تطبيق قانون الضمان الاجتماعي بما يضمن استدامة المؤسسات وقدرتها على أداء مهامها، ودفعها نحو الأمان الاجتماعي".
وأضاف أن التقاعد المبكر يعكس واقع سوق العمل ومتطلباته، لا سيما في ظل التحولات الكبيرة بفعل التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، والتي أثّرت على الوظائف التقليدية، ودفعَت العديد من المؤسسات الخاصة إلى إنهاء خدمات موظفين في عمر العمل، ما أدى إلى ارتفاع أعداد المتقاعدين مبكرًا. ولفت إلى أن بعض المتقاعدين يلجؤون للعمل في القطاع غير المنظم إلى جانب تقاعدهم، ما يعمق الأزمة.
وأشار إلى أن "رواتب الغالبية تتراوح بين 400 و500 دينار، بينما تستنزف متطلبات العمل والانتقال منه وإليه ما يقارب 15% من الدخل، هذا إلى جانب أعباء الأسرة اليومية، وهو ما يدفع البعض إما للعجز المالي أو لاختيار التقاعد المبكر باعتباره خيارًا أقل كلفة من البقاء في العمل".
وفي السياق ذاته، أشار عايش إلى تحديات تواجه صندوق الضمان الاجتماعي نفسه، متسائلًا عن قدرته على الاستمرار بذات الوتيرة خلال العقدين المقبلين، في ظل ثبات المعطيات الحالية، وضعف الإيرادات من الاشتراكات أو من عوائد الاستثمار.
وأضاف: "لو لم يكن هناك تقاعد مبكر، فإن المشهد في ظل معدلات البطالة الحالية – حيث يعاني واحد من كل خمسة أردنيين من البطالة – ومع انخفاض المشاركة الاقتصادية إلى 14% بين الذكور والإناث، سيجعل من المجتمع الأردني أقرب إلى مجتمع متقاعدين ومجتمع عاطلين عن العمل".
وأوضح أن "الاقتصاد غير الرسمي يحرم الضمان من الاشتراكات التأمينية، ما يقلل من أعداد المشتركين، ويزيد بالمقابل من أعداد المتقاعدين، في وقت يتحول فيه المجتمع الأردني إلى مجتمع الشيخوخة، وتُقدر قيمة ما يُصرف من صندوق الضمان سنويًا بحوالي 3.2 مليار دينار".
وتابع أن استمرار الوضع كما هو عليه سيؤدي إلى اتخاذ قرارات لتعديل معادلة التقاعد، ومنها خفض الرواتب التقاعدية، لضمان بقاء الصندوق قادرًا على الوفاء بالتزاماته.
وفي ختام حديثه، شدد عايش على أن الحل يكمن في "زيادة فرص العمل والتحول من اقتصاد استهلاكي إلى إنتاجي، وهي قضايا لا يُوليها أحد اهتمامًا حقيقيًا رغم أنها جوهر الأزمة".
وأشار إلى أن "التقاعد المبكر قد يفتح فرصة لوظائف جديدة، لكنه لا يحل الإشكال في ظل ضعف الرواتب، وتراجع التقدم الوظيفي، وغياب النمو الاقتصادي"، مضيفًا أن "من يحل محل المتقاعد يتقاضى راتبًا أقل، ما يضع عبئًا إضافيًا على منظومة الضمان الاجتماعي، ويحوّل شكوى المتقاعدين إلى حلقة مفرغة".