اخبار البلد- محمد خير الرواشدة
عمان - لا تبدو مهمة رئيس الوزراء المكلف الدكتور فايز الطراونة سهلة في ظل ساحة "مليئة بالألغام"؛ وأزمة استعصاء سياسية، ربما تؤججها الاستقالة المفاجئة للقاضي عون الخصاونة، الذي يرى مراقبون أنه "عبث بعنصر الزمن لمواقيت العملية الإصلاحية، عندما اختار وقتا مربكا لتقديم استقالته"، تاركا عامل الوقت لا يخدم الرئيس المكلف.
الطراونة، المحسوب على اليمين المحافظ، لم يغب عن المشهد السياسي منذ تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية، فبعيد استقالته من الحكومة العام 1999، عين رئيسا للديوان الملكي، ثم غادر موقعه في رئاسة الديوان، بعد أن تغير وصف هذا الموقع من موقع سياسي إلى موقع فني، ليدخل الرجل إلى مجلس الأعيان ويحافظ على بقائه فيه، حتى تكليفه بتشكيل حكومة ثانية.
الطراونة لم ينقطع، كذلك، عن لقاءاته الخاصة بجلالة الملك، وبقيت خطوطه مفتوحة مع القصر الملكي على مدار أعوام خروجه من موقع المسؤولية، فهو أول أعضاء اللجنة الملكية لمراجعة نصوص الدستور، وقد أعلم بالأمر قبل أشهر من تاريخ إعلان شكل ومضمون اللجنة الملكية.
مقربون من الرجل ينقلون عنه قوله إن "رجل الدولة، هو الذي يتعامل مع الأزمات عبر الحلول الواجب استخدامها، وهو ما يجعل كل الصفات ممكنة لشخص رجل الدولة، ما دامت المرحلة تتطلب تقديم الموقف الوطني على الموقف الشخصي".
لا يُسجل على الطراونة أنه "متطرف أو متشنج أو متعصب" لموقف، بل هو "تنفيذي من طراز رفيع"، ويعيد هؤلاء خبرته في العمل العام، إلى عمله القريب من الخصمين السياسيين في فترة الثمانينيات؛ رئيسي الوزراء الأسبقين: مضر بدران وزيد الرفاعي. حظي الطراونة بفرصة العمل كمستشار معهما، ولم يسجل عليه انحيازه لأي من مدرستيهما؛ بل عمل معهما على أساس تناقضاتهما.
في نهاية التسعينيات تبوأ الطراونة موقع رئاسة الحكومة في وقت مفصلي؛ مرض الراحل الملك الحسين رحمه الله، ونقل المُلك للملك عبدالله الثاني. وقبلها دخل الرجل معترك المفاوضات الأردنية-الإسرائيلية، وكان مفاوضا مرا عن حقوق الأردنيين، ما هيأه لتسلم سفارتنا في واشنطن، في وقت كانت فيه العلاقات الأردنية الأميركية تمر بفتور أشبه بالقطيعة؛ أثناء وبعد الحصار على البلاد، على خلفية احتلال العراق للكويت.
لعب الطراونة دورا بارزا في عودة العلاقات الأميركية الأردنية إلى دفئها، بعد أن التقط فرصة تغيير الإدارة الأميركية من الصقور الجمهوريين، إلى حمائم الديمقراطيين، فجاء بيل كلينتون رئيسا للولايات المتحدة، متزامنا مع تقديم الطراونة أوراق اعتماده كسفير للأردن في واشنطن.
والتقط أيضا فرصة لقائه بكلينتون في واشنطن، عندما عبر الأخير عن رغبته في لقاء جلالة الملك الحسين، ليدخل حينها على خط ترتيب تلك الزيارة، وعقد قمة بين الزعيمين، ما أرخ لعلاقة نوعية وجديدة بين البلدين.
لم يعد الطراونة إلى عمان، عندما كلف بحقيبة الخارجية في حكومة الدكتور عبدالسلام المجالي، وأقسم اليمين الدستورية أمام جلالة الملك في واشنطن، ليبدأ مرحلة جديدة في العمل السياسي.
أشهر قليلة أخذت الرجل إلى العمل بجوار المغفور له جلالة الملك الحسين رئيسا للديوان، فبقي هناك إلى أن كلف بتشكيل الحكومة في صيف العام 1998. وبدأ الطراونة عمله الحكومي على أنقاض أزمة الثقة مع المؤسسات الدولية؛ على خلفية التلاعب بأرقام النمو والتنمية التي قدمت لصندوق النقد الدولي، والتي زعمت ازدهار النمو في البلاد، في حين إن النمو الاقتصادي كان "صفرا".
جاء الطراونة إلى العمل مع مجلس النواب الثالث عشر، وسط تقدير من المجلس لحراجة وحساسية الظرف، فاجتمع نحو 55 نائبا على قلب رجل واحد، وقدم النائب عبدالكريم الدغمي حينها كلمة باسمهم، مانحا الثقة للطراونة، ليدخل بذلك معترك العمل السياسي.
تراجع صحة الراحل الحسين، وضرورة ترتيب نقل المُلك بسلاسة دستورية، دفعت بالرجل ليدخل في تجربة دستورية فريدة، فكان ضابط إيقاع الدولة وراسم ملامح نقل المُلك دستوريا، عبر استعداده الدقيق لترتيب أوضاع المملكة الرابعة.
اليوم، يتطلع مراقبون إلى تكليف الطراونة بتفاؤل حذر، فالرجل ليس له خصوم سياسيون، لكنه لا يملك أوراق تأييد تدعمه وتسهل عبور قافلة الإصلاحات المنشودة. مؤشرين إلى ضرورة نجاحه في امتحان الأسماء التي ستدخل الفريق الحكومي