زيد السوالقة
انطلقت رحلتنا من منطقة المحطة في العاصمة عمان، والتي سُمِّيت بهذا الاسم لاحتضانها أول محطة قطار وأهمها في المدينة ومع بداية الرحلة، بدا المشهد حول سكة حديد الحجاز داخل المحطة بمثابة انطلاقة مثيرة للقلق، حيث تغطي الركام والنفايات المكان، وتضرب أغصان الأشجار غير المقلمة جوانب القطار، ما يضفي شعورًا غير مريح للمسافرين، إلى جانب قيام بعض الأشخاص برمي الحجارة على القطار أثناء سيره، مما يشكل خطرًا جسيمًا على سلامة المسافرين.
عند وصولنا إلى شباك التذاكر، كانت تجربة التعامل مع الموظفين غير مُرضية على الإطلاق فرئيس قسم الحركة هو من يقطع التذاكر التي استبدلت بسندات قبض عوضًا عن التذاكر المعروفة، ففتقرت المعاملة إلى المهنية والود اللازمين لاستقبال الزوار، خاصة وأن القطار يُستخدم الآن بشكل رئيسي كوسيلة سياحية وليس كوسيلة نقل يومية كان من المؤسف أن نرى أن مستوى الخدمة لم يرقَ لمعايير السياحة التي ينبغي أن تُقدَّم للسياح المحليين والزوار.
طوال الرحلة من عمان إلى آخر محطة في الزرقاء، كانت مشاهد خط السكة الحديد تعكس حالة من الإهمال فقد كانت السكة الحديدية محاطة بالنفايات، وباتت تُستخدم كمكب للسيارات المتهالكة، مما يشوه المناظر الطبيعية ويُظهِر تدني مستوى العناية بالبنية التحتية.
هذه التجربة تسلط الضوء على أهمية العناية بمحطات القطار والسكك الحديدية، وضرورة تحسين الخدمات والمعايير لضمان رحلة ممتعة وآمنة تلبي تطلعات الركاب وتساهم في تعزيز السياحة المحلية.
وأما الجميل في الرحلة محطتها الاخيرة
أم الجمال وهي موقع أثري يقع في شمال شرق المملكة الأردنية الهاشمية، على مقربة من مدينة المفرق. تُعرف بأنها واحدة من أبرز المواقع الأثرية في الأردن، وتُسمى أحيانًا بـ"الواحة السوداء" نظرًا لمبانيها المبنية من الحجر البازلتي الأسود. يعود تاريخ المنطقة إلى الفترة النبطية والرومانية والبيزنطية، وقد شهدت تطورًا كبيرًا في تلك العصور بفضل موقعها الاستراتيجي على طريق القوافل التجارية.
تاريخ أم الجمال
الفترة النبطية: كانت أم الجمال جزءًا من مملكة الأنباط الذين ازدهرت تجارتهم عبر المنطقة، وأصبحت محطة تجارية مهمة على طريق البخور الذي ربط جنوب الجزيرة العربية بالبحر المتوسط.
العهد الروماني: شهدت المنطقة ازدهارًا كبيرًا في عهد الإمبراطورية الرومانية، حيث كانت جزءًا من التحصينات الحدودية (الليمس العربي) التي أنشأتها الإمبراطورية لحماية حدودها الشرقية.
الفترة البيزنطية: تطورت أم الجمال لتصبح مركزًا دينيًا يضم العديد من الكنائس البيزنطية المزينة بالأيقونات والزخارف.
العهد الإسلامي: شهدت المنطقة استمرارية السكن في العهدين الأموي والعباسي، مع تراجع النشاط التجاري بسبب تحولات الطرق التجارية.
الآثار والمعالم
أم الجمال تحتوي على مجموعة كبيرة من المباني الأثرية التي تعكس جمال العمارة البازلتية ومن أبرز معالمها:
الكنائس البيزنطية: هناك بقايا عدة كنائس، مثل كنيسة الأسقف والإضافات المعمارية التي تعود للفترة البيزنطية.
الأبراج الدفاعية: بُنيت لتحصين المنطقة ومراقبة الطرق المحيطة.
الخزانات المائية: تعكس براعة السكان القدامى في جمع المياه في منطقة صحراوية عبر نظام ري متقدم.
البيوت البازلتية: التي كانت مأهولة بالسكان في مختلف العصور.
أهمية أم الجمال السياحية والثقافية
تعتبر أم الجمال وجهة سياحية هامة للراغبين في استكشاف العمارة الأثرية القديمة والتعرف على تاريخ المنطقة تقام فيها فعاليات ثقافية وفنية للترويج للتراث المحلي، وتعزز من قيمتها كموقع تاريخي وسياحي في الأردن. كما أن وجود النقوش والكتابات القديمة يضيف بُعدًا تاريخيًا ومعرفيًا للموقع، مما يجذب الباحثين وعلماء الآثار.
جهود الحماية والترميم
تعمل الجهات الأردنية بالتعاون مع المنظمات الدولية على الحفاظ على الموقع وحمايته من عوامل التعرية والتخريب، من خلال مشاريع الترميم وإعادة التأهيل التي تهدف إلى إحياء المنطقة كموقع تراث عالمي.
وفي النهاية، تبقى أم الجمال معلمًا سياحيًا يحمل إمكانيات كبيرة لكنها غير مستغلة بالشكل الأمثل، إن غياب المرافق السياحية الأساسية كالمطاعم، وافتقارها للأدلة السياحيين، وعدم دمج المجتمع المحلي في عرض منتجاته اليدوية، يحرم الزوار من تجربة سياحية متكاملة ويحد من استفادة المجتمع من هذا الإرث الثقافي والتاريخي.