أخبار البلد - باكيا بحرقة، يقول الفلسطيني مصطفى دلّول الذي أفرج عنه الاحتلال الإسرائيلي أول من أمس السبت إن سلطات السجون في الكيان لم تكن تعاملهم كبشر، وكانت تصبّ عليهم شتى أنواع العذاب.
ويعدد دلّول بعد دقائق من وصوله إلى المستشفى الأوروبي بجنوب قطاع غزة، قادما في حافلة برفقة أكثر من 300 معتقل فلسطيني، أنواع التعذيب الذي تمارسه سلطات الاحتلال بين "التعذيب الجسدي، والنفسي، والتجويع، والإذلال".
وقال دلول منتحبا وقد غصّ بدمعه "لا يعدّوننا بشرا، كل ما تشتهي عينك من التعذيب يمارسونه بحقنا.. جوع.. غلط (إهانات)، لا تسل عن العذاب".
وبينما كان يحرك ذراعيه بعصبية وتوتر، طالب المعتقل المُحرر الذي قضى 175 يوما في السجن بالعمل على تحرير بقية الأسرى لأنهم "يتعرضون للتعذيب الشديد".
وفي زاوية هادئة داخل مستشفى غزة الأوروبي، يستلقي المحرر الفلسطيني نادر حسين (34 عاما)، جسده الهزيل أشبه بظل لإنسان خرج من أعماق الجحيم لا يقوى على الحركة إثر رحلة قاسية خلف قضبان سجون الاحتلال.
وعلى سرير المستشفى، محاطا بالأطباء، يعاني حسين فقدان القدرة على الكلام، بينما تظهر على جسده، وحتى رأسه، آثار التعذيب الذي تعرض له منذ اعتقاله من شمال قطاع غزة بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
وبسبب عدم استطاعته الوقوف على قدميه جراء التعذيب، نُقل المحرر بسيارة إسعاف من الحافلات التي أقلتهم من الكيان المحتل بواسطة اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى قطاع غزة وصولا إلى المستشفى، حيث يتلقى الرعاية الطبية.
ويقول الأطباء المشرفون على حالته إن جسده يحمل آثار تعذيب مروعة، بعضها حديث، والأخرى قديمة، وكأنها خريطة للأهوال التي مر بها.
وتنتشر في جسد حسين كدمات زرقاء وسوداء وجروح لم تلتئم بعد، وعظامه بدت ضعيفة وهشة نتيجة شهور من سوء التغذية والإهمال الطبي، فيما كانت الندوب تغطي أماكن متعددة من جسده الضعيف.
أما عيناه الغائرتان، فكانت تحيط بهما هالات سوداء شاهدة على ليالٍ طويلة من العذاب.
كما تكشف مفاصل يديه عن الأصفاد المحكمة التي كان مقيدا بها حيث تظهر جروح غائرة حولها.
وأفرج الاحتلال أول من أمس السبت عن 36 فلسطينيا محكوما بالمؤبد، بالإضافة إلى 333 معتقلا ممن اختطفتهم من داخل قطاع غزة خلال حربها التي بدأتها في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، بعد إفراج كتائب القسام عن 3 أسرى من الكيان المحتل، حسب ما ينص اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين.
وأجبرت سلطات الاحتلال المعتقلين على ارتداء ملابس كُتب عليها "لا ننسى ولا نغفر"، وطُبع عليها نجمة داود (شعار الدولة) وشعار مصلحة السجون في الكيان المحتل، وذكر المحررون أن سلطات الاحتلال أجبرتهم على لبسها قبل الإفراج عنهم بنحو نصف ساعة.
وعقب إرغامهم على ارتداء تلك القمصان، التقطت مصلحة السجون صورا لهم وُصفت بالمهينة، بعدما أُجبر الأسرى على الجثو على ركبهم وإنزال رؤوسهم للأسفل، في حين صُورت لقطات أخرى داخل ساحة أحد سجون الاحتلال حيث كان الأسرى يصطفون في طوابير ومحاطين بأسلاك شائكة.
لكنّ المعتقلين الفلسطينيين قاموا بخلع هذه الملابس فور وصولهم إلى المستشفى الأوروبي داخل القطاع، والدوس عليها، قبل حرقها.
ويُقدم الأسير المحرر تيسير المدهون شرحا إضافيا لما يتعرض له المعتقلون فيوضح أن سلطات السجون توقظهم عند الساعة الرابعة فجرا، وتُجبرهم على الوقوف في طابور مطأطئي الرؤوس، وفي الساعة 12 ظهرا يتم إجبارهم على الوقوف في طابور جديد وتُجبرهم بعد الظهر على الجلوس 4 ساعات على رُكبهم.
ثم يتطرق المدهون إلى مسألة التجويع، فيقول إنه قضى عاما كاملا لم يذق فيه طعم "الشبع"، كما كان يعاني المعتقل الفلسطيني من البرد الشديد، إذ تزود سلطات السجون السجين ببطانية واحدة فقط.
ورغم ما عاناه المدهون، فإنه يختم حديثه بالقول إنهم صامدون مهما فعل بهم الاحتلال.
أما الأسير المحرر ابراهيم غَبن، الذي قضى 70 يوما في الأسر الإسرائيلي، فلم يجد أفضل من جملة "كنا أمواتا والله أحيانا" للتعبير عما قضاه من ويلات داخل السجن. وقال بينما كان يحتضن ابنته "معاناة كبيرة، كنا في موت، كنا في تعذيب".
وكان المعتقلون، بحسب غبن، لا يشبعون من النوم، إذ يحرص السجانون على إيقاظهم مبكرا، وقصره على ساعات قليلة. ويشير كذلك إلى تعمد الاحتلال إذلال الأسرى وإهانتهم بشكل دائم.
وفي السياق ذاته، يشير المهندس محمد طومان، الذي قضى عاما كاملا في الاعتقال، إلى سلوكيات الاحتلال نفسها الممارسة بحق الأسرى من تعذيب وإذلال وتجويع. ويقول عقب الإفراج عنه بعد قضائه سنة كاملة "شتائم، تعذيب جسدي.. إهانات، قلة علاج.. قلة أكل.. وكل ما تتصوره موجود بالمعتقل".
ويختم "دولة الاحتلال ليست إنسانية.. بل دولة حرب.. ودولة نازية".
بدوره، يقدم ماجد المشهراوي شهادة إضافية لما يتعرض له الأسرى داخل السجون فيقول "كنا نعيش في قهر يومي.. إذلال يومي.. جوع يومي.. خلال سنة وشهرين لم أذق طعم الشبع على الإطلاق.. ننام على جوع ونصحو على جوع.. ونصحو على ضرب ونقوم على ضرب".
ويتابع "تعرضنا لأعتى أنواع الذل والمعاناة والجوع والبرد والضرب المبرح والتعذيب الشديد". واتهم المشهراوي سجاني الاحتلال بأنهم "خارج إطار البشرية.. مجرمون قتلة".
وبعد أن داس على القميص الذي أجبرته سلطات الاحتلال على لبسه، وكتبت عليه "لا ننسى ولا نغفر"، قال المعتقل المحرر محمود سالم "نحن الذين لن ننسى ولن نغفر"، مضيفا "هذه هي إسرائيل تحت أقدامنا، ولن نركع وستظل رؤوسنا مرتفعة.. تعيش المقاومة وتحيا المقاومة".
وذكر سالم أن السجانين أجبروهم على ارتداء الملابس قبل نصف ساعة من الإفراج عنهم. وتطرق كزملائه إلى ما تعرض له من التعذيب، مشيرا إلى آثار قيود الإحتلال التي ما زالت مرسومة على معصميه.
أسرى محررون يروون ويلات تعذيب لا يمكن تصورها بزنازين الاحتلال
