مع اقتراب مغادرة الرئيس الأميركي/بايدن البيت الأبيض, بدأت صُحف أميركية عديدة الـ«نبشَ» في ملفاته الخفِيّة, وما حفلت به سنواته الأربع في المكتب البيضاوي من أسرار, خاصة الإجراءات التي اتخذها المُحيطون به لإخفاء حاله الصحية بشكل عام, وخصوصاً سلامته العقلية. على نحو كشفت فيه صحيفة «وول ستريت جورنال» قبل أيام معدودات (20/12/2024), إن «حاشية» الرئيس الذي بلغ الـ«82» عاماً في تشرين الثاني الماضي، وَفرَت له «ظروف عمل خاصة خلال السنوات الأربع التي قضاها في منصبه». مُستنِدة في تقريرها إلى مُحادثات مع أشخاص «مُطلِعين» على تفاصيل تفاعل «الرئيس», مع المسؤولين الآخرين.
وإذ أشارت الصحيفة إلى أن «التفاعلات» بين بايدن والعديد من أعضاء إدارته حدثت «نادراً»، وفي كثير من الأحيان وِفقاً لـ«قواعد صارمة»، ما جعله يبدو بعيداً عن الواقع. فقد أصدرَ مساعدوه/بايدن.. توجيها لأولئك الذين يرغبون في التحدّث معه بشكل فردي، بأن تكون المحادثات «مُختصرة ومُركزة». وأصبحت اجتماعاته مع أعضاء الكونغرس الديمقراطيين وكبار المسؤولين, في مجلس الوزراء «نادرة» خلال رئاسته. ما يعني من بين أمور أخرى, ان رئيس الإبادة والتطهير العِرقي والتهجير, لم يكن صاحب القرار الأول في قضايا وملفات عديدة, وأن الذين أحاطوا به كالسوار منذ 20 كانون الثاني/2017, وجُلهم من اليهود والمُتصهينين, كانوا «يُملون» عليه ما يريدون, أو قل ما يتناسب أيضاً مع تفاخُره بعقيدته الصهيونية «المُعلَنة».
لم يتوقف الأمر عند هذه الحدود بل تجاوزها, إلى ما يمكن وصفه فرض «عُزلة إجبارية» على الرئيس الهَرِم, ما خلق صعوبة واجهها زعماء الكونغرس بـ«مجلسيه», في التواصل مع بايدن، بما في ذلك ـ أضافت «وول ستريت» خلال سحب الولايات المتحدة قواتها من أفغانستان في 15 ـ 30 آب/2021. على نحو لم يتردد مسؤولون في إدارة بايدن وبعض أعضاء الكونغرس, في لفت الأنظار, إلى أن تولِّي «كبار الموظفين» في البيت الأبيض «أدواراً», كان من الطبيعي بل والقانوني أن «يضطلعَ بها» بايدن نفسه. ناهيك عن «طلبِ» مُساعديه من الصحافيين «استبعاد القصص السلبِية عن الرئيس, أثناء إعدادهم لإيجازات إخبارية عنه». زد على ذلك كله أن عدداً من «المساعدين» كانوا «قريبين دائماً» من بايدن خلال فترة ولايته، وخاصة خلال «رحلاته» وعندما يتحدثُ علناً. إذ نُقِل على لسان أحدهم للصحيفة الأميركية: «إنهم يتعاطفون معه إلى درجة عالية»، مُضيفاً: أنه كان هناك المزيد من «المُساعدة اليدوية» له, مقارنة بالرؤساء الآخرين.
ولعل ما يُلخص مَشهد «الحصار» غير المسبوق الذي فُرِضَ على الرئيس الأميركي رقم/46, هو ما قاله مُشرعون ومُساعدون «سابقون» لصحيفة «وول ستريت جورنال» ومفاده: إن (حراسة «البوابة» أصبحت أكثر كثافة، وأصبحت الجدران المحيطة بها «أعلى بمرور الوقت». وتم فرض قيود على «مَن تحدّث إليه»، وما «أخبروه به»، والـ«مصادر التي حصلَ منها على معلوماته»). كما تواصلَ «هطول» الأخبار/الأسرار المثيرة, عما رافقَ ذلك «الحصار» المُحكَم على بايدن, خاصة عودة التسريبات إلى «ملابسات وأسرار» الرئيس وحاشيته, خلال جائحة «كورونا», حيث الأمور مُترابطة حدود التشابك, من قبيل ان «الهيكل» الذي تم بناؤه حول بايدن, أثناء جائحة كوفيد/19 لمنع العدوى, «لم يتم هدمه بالكامل». ومع تقدّمه في السن، تم «تعزيز الهيكل، بهدف منعه من ارتكاب الأخطاء». كما بدا أن الحماية التي يُوفرها بايدن, كانت تعمل بشكل جيد حتى 27 حزيران الماضي، عندما واجهَ دونالد ترامب في مُناظرة, كانت بـ«مثابة بداية نهاية حملته». ما دفع السيناتور السابق/جو مانشين، القول لصحيفة «وول ستريت»: إن «موظفي بايدن» تحملوا مسؤولية أكبر من تلك التي كانت في الإدارات الأخرى. دون إهمال أن بايدن، الرئيس الأكبر عمراً في تاريخ الولايات المتحدة، كثيراً ما أعطى أسباباً لخصومه السياسيين للتشكيك في قدراته العقلية، حيث كان يرتكب بانتظام زلاّت وأخطاء في خطاباته العامة. ما سمحَ لـ«الجمهوريين» بتوظيف ذلك في معركة حزبية, للتشكيك في قدراته على قيادة البلاد بفعالية.
في الخلاصة ليس ثمة ما يدعو للاستغراب أو الشعور بالمفاجأة في ما كان وما بات عليه بايدن من تدهور في السمعة والقدرات العقلية, وتواضع إن لم نَقُل خلو «إرثه» من أي إيجابية, كرئيس لدولة «عظمى» تزعم أنها تقود العالم, وتتبجح بأنها تناصر الحريات وتسعى لنشر الديموقراطية وحقوق الإنسان, وتلتزم القانون الدولي, فيما هي عَسكرتْ وما تزال العلاقات الدولية, وتواصل شن الحروب ونهب ثروات الشعوب, وتُشارِك آخر إستعمار عنصري استيطاني على وجه الأرض, حروب الإبادة والتطهير العِرقي والتهجير.
ماذا عن «خمسة عقود» من حياة بايدن «السياسية».. المليئة بالـ«إثارة»؟
... نُكمِل غداً.