إعادة هندسة الموازنة العامة

إعادة هندسة الموازنة العامة
د. عدلي قندح
أخبار البلد -  

تعكس موازنة 2025 استمرارًا للنمط الهيكلي التقليدي في المالية العامة الأردنية، حيث تُقدر النفقات العامة بنحو 12.511 مليار دينار، منها 11.042 مليار دينار نفقات جارية، و1.469 مليار دينار نفقات رأسمالية. أما الإيرادات العامة فتُقدر بـ10.233 مليار دينار، مع عجز مالي يُقارب 2.278 مليار دينار. وفي موازنة التمويل، تستمر أعباء الدين العام، حيث تُخصص 20% من النفقات الجارية، أي ما يعادل 17.6% من إجمالي النفقات، لتغطية خدمة الدين، بينما يبقى الدين العام عند مستويات مرتفعة تُعادل 116% من الناتج المحلي الإجمالي.

من اللافت أن هيكل الموازنة العامة الأردنية لم يشهد تغيرًا جوهريًا منذ سنوات طويلة، إذ يظل الاعتماد الكبير على النفقات الجارية ثابتًا، بينما يُمثل الإنفاق الرأسمالي نسبة محدودة. يعود هذا الجمود إلى مجموعة من الأسباب، أبرزها طبيعة الجهاز الإداري المترهل الذي يتطلب إنفاقًا كبيرًا على الرواتب والتقاعد، إلى جانب ضعف الإرادة السياسية لإجراء إصلاحات هيكلية جذرية. بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب رؤية اقتصادية متكاملة تستند إلى أولويات تنموية واضحة جعل من الموازنة أداة لتسيير الأعمال اليومية بدلاً من أن تكون أداة لتحفيز النمو الاقتصادي.

إزاء هذا الواقع، يصبح من الضروري اعتماد رؤية جديدة لإعادة هندسة الموازنة العامة، مستندة إلى مبادئ اقتصادية حديثة وتجارب دولية ناجحة، لتحقيق التوازن بين الاستدامة المالية والنمو الاقتصادي. هذه الرؤية ترتكز على عدة محاور رئيسية عملية.

الخطوة الأولى تتضمن تحسين كفاءة الإيرادات العامة، حيث تعتمد هذه الخطوة على بناء نظام ضريبي متكامل يُركز على توسيع القاعدة الضريبية بدلاً من رفع المعدلات الضريبية، مع تحسين الامتثال الضريبي وتقليل التهرب. هنا نجد تطبيقًا عمليًا لمبادئ الفكر الاقتصادي التي تنادي بالعدالة والكفاءة في النظام الضريبي. يمكن للنظام الرقمي الموحد أن يسهم في تعزيز الشفافية وزيادة الإيرادات، مستلهمًا تجربة إستونيا، التي حققت نجاحًا كبيرًا في تحسين تحصيل الضرائب من خلال رقمنة الإدارة المالية.

إعادة توجيه النفقات العامة نحو الأولويات التنموية تُعد خطوة محورية في الإصلاح. وفقًا لمبادئ جون مينارد كينز، فإن الإنفاق الحكومي الموجه نحو القطاعات الإنتاجية مثل البنية التحتية والطاقة المتجددة يُمكن أن يُحفز النمو الاقتصادي ويُخفض معدلات البطالة. تمثل النفقات الجارية، التي تستنزف 88% من إجمالي الإنفاق، تحديًا يستدعي مراجعة جذرية، مع التركيز على إعادة توزيع الموارد لدعم التعليم، الصحة، والمشروعات الكبرى التي تُحقق عوائد اقتصادية طويلة الأمد.

وبالانتقال إلى موازنة التمويل، فإن انخفاض أسعار الفائدة عالميًا يمثل فرصة لا ينبغي إضاعتها. وفقًا للمبادئ الناجحة بشأن إدارة الديون، يُمكن لإعادة هيكلة الدين العام أن تقلل من تكلفة خدمته بشكل كبير. في هذا السياق، يجب أن تركز الحكومة على إعادة تمويل القروض ذات الفائدة المرتفعة بشروط ميسرة، وإصدار سندات سيادية موجهة للمغتربين الأردنيين لجذب تمويل إضافي بتكلفة أقل. مثل هذه الأدوات لن تخفف الضغط على الموازنة فحسب، بل ستوفر موارد لتمويل مشاريع تنموية ضرورية.

تعزيز دور وحدة الشراكة في وزارة الاستثمار الأردنية، من خلال توسيع نطاق مشاريع الشراكة لتشمل قطاعات حيوية كالتعليم، الصحة، النقل العام، والطاقة المتجددة، مع تطوير إطار قانوني مرن وجاذب للاستثمارات. إطلاق منصة رقمية تعرض فرص الشراكة، وإنشاء صندوق لتمويل دراسات الجدوى لتقليل المخاطر، سيسهم في تسريع تنفيذ المشاريع وتعظيم كفاءتها. كما أن إشراك المشاريع الصغيرة والمتوسطة كشركاء رئيسيين، وتوجيه الشراكات نحو الاقتصاد الأخضر والخدمات العامة، سيُعزز التنمية المستدامة، ويخفف العبء المالي عن الدولة، ويدعم الاقتصاد الأردني على المدى الطويل.

إشراك البلديات كمحرك أساسي في تنفيذ مشاريع الشراكة يُعد خطوة مبتكرة لتعزيز دور وحدة الشراكة في وزارة الاستثمار. البلديات، كونها الأقرب للمجتمعات المحلية واحتياجاتها التنموية، تمتلك إمكانات غير مستغلة يمكن توجيهها لدعم الاقتصاد المحلي. في حالة الأردن، يمكن تعزيز الشراكات بين البلديات والقطاع الخاص لتطوير مشاريع محلية صغيرة ومتوسطة، مثل تحسين خدمات النظافة، إنشاء الأسواق المحلية، تطوير مواقف السيارات الذكية، أو مشاريع الطاقة المتجددة على المستوى المحلي.

تجربة دولية ناجحة مثل هولندا، التي دمجت البلديات في شراكات مبتكرة مع القطاع الخاص لتحسين خدمات النقل المحلي، تُظهر كيف يمكن أن تكون البلديات طرفًا فعّالًا في تعزيز التنمية الاقتصادية. تفعيل هذا المحور في الأردن يمكن أن يتم من خلال منح البلديات المزيد من الصلاحيات التمويلية والتنظيمية، وإنشاء آليات للتنسيق مع وحدة الشراكة لدعم المشاريع ذات الأولوية المحلية.

مبادرة «صنع في الأردن» يجب أن تكون في قلب أي خطة لإعادة هندسة الموازنة. هذه المبادرة يمكن أن تستلهم من تجربة «صنع في الهند»، التي ركزت على دعم الصناعات المحلية وتحفيز الابتكار. تقديم إعفاءات ضريبية، وتسهيل التمويل، وتشجيع استهلاك المنتجات المحلية عبر حملات وطنية، هي خطوات أساسية لتحفيز الإنتاج الوطني وتقليل الاعتماد على الواردات.

أخيرًا، التحول إلى ميزانية قائمة على الأداء يُعد أداة أساسية لتعزيز كفاءة النفقات العامة. باستخدام مؤشرات قابلة للقياس لتقييم أداء المشاريع الحكومية، يمكن إعادة توجيه الموارد نحو المبادرات الأكثر تأثيرًا.

تتطلب إعادة هندسة الموازنة العامة رؤية شمولية تمتد على مدى أربع سنوات، تجمع بين الإصلاحات الجذرية والاستفادة من الفرص الاقتصادية العالمية. هذه الخطة لا تهدف فقط إلى معالجة العجز وتقليل أعباء الدين العام، بل تسعى لبناء اقتصاد قوي ومستدام يُعزز رفاهية المواطن الأردني ويُعطي للأجيال القادمة الفرصة للعيش في اقتصاد أكثر استقرارًا وازدهارًا.

شريط الأخبار مركبات السفريات الأردنية تصطدم بمنعها من دخول الأراضي السورية مراقبة الشركات تدعو لبناء ممارسات حوكمة فعالة للشركات العائلية الصفدي ترأس أطول جلسة في تاريخ البرلمانات لجنة نيابية لمتابعة ما ورد بكلمات النواب عن شبهات فساد مجلس النواب يقر مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2025 أحداث قاسية.. مقتل 7 جنود إسرائيليين وإصابات حرجة وزير المالية: مشاريعنا الكبرى سيتم إنجازها 4% نمو القطاع الصناعي خلال 9 أشهر من العام الماضي انفجار مستودع ذخيرة في حلب المنطقة العسكرية الجنوبية تحبط محاولة تهريب مواد مخدرة بواسطة طائرة مسيرة جمعية مستثمري الدواجن والأعلاف: هذا هو سبب ارتفاع الأسعار الصفدي: سنحاسب من لا يحترم قدسية القبة مؤشرات تساقط الثلوج في الأردن الصفدي: سيجري التصويت على الموازنة في حال انتهاء النواب من مناقشتها الأربعاء أب يقتل ابنه العشريني بثلاث أعيرة نارية ويصيب زوجته في الأردن.. تفاصيل النواصرة يحذر الحكومة من ارتفاع المديونية إلى 54 مليار دينار مفوضية اللاجئين تنفي تقديم مساعدات مالية للراغبين بالعودة إلى سوريا العثور على جثة شاب مصري في جبل الحسين الرياطي يطالب الحكومة بتنفيذ قرار حكومة الرزاز بخصوص "تطوير العقبة" وزارة السياحة تنظم معرضا بعنوان "الأردن فجر المسيحية" بالفاتيكان شباط المقبل