نقدّر عالياً معرض الصور التي نظمته جمعية أصدقاء مهرجانات الأردن، وبدعم من هيئة تنشيط السياحة، بالتعاون مع مكتب الأرشيف التاريخي للبطريركية اللاتينية في القدس، والمركز الفرنسيّ لدراسة الكتاب المقدّس والآثار في القدس، والمعهد الملكي للدراسات الدينيّة، والمتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، وبتنسيقٍ وتنفيذ من دائرة التصوير. وقد أتى المعرض لإبراز تاريخ المسيحيين في الأردن منذ عام 1860 وإلى عام 1960. تحت عنوان «المسيحية في الأردن، إرث تاريخ وحضارة».
يعتمد المعرض الذي نظمّه الأب الدومينيكاني الأب جان ميشيل دي تاراغون، بشكل رئيسي على الأرشيف التاريخيّ للبطريركيّة اللاتينيّة في القدس، والتي طبعًا تضم خدمتها الروحيّة على سائر أراضي فلسطين والأردن وجزيرة قبرص.
والهدف من هذا المعرض هو إبراز الحضور المسيحي في هذه الأرض المقدسة، سواء في الأردن أو في فلسطين، لكنّ المعرض قد ركز على الكنائس في الأردن. فمن يدخل في أروقته، يسير في التاريخ والجغرافيا ما بين تلك الحقب المثمرة، ولكن أيضًا العصيبة من ناحية الحروب وعدم الاستقرار السياسي الذي حصل في هذه المنطقة، وكذلك صعوبة الحياة والعيش، ولكن كان هنالك تركيز من البطريركيّة اللاتينيّة، أسوة طبعًا بمختلف الكنائس الشقيقة الأخرى، على تمتين الإيمان في هذه الأرض المقدّسة، من خلال بناء الكنائس قبل وبعد إنشاء الإمارة الأردنيّة عام 1921 التي تأتي في منتصف طريق الحقبة التاريخيّة التي يؤرخ لها هذا المعرض، والممتدة بين القرنين التاسع عشر والعشرين.
عدت إلى ابن صفي الأب الدكتور عزيز حلاوة، مدير الأرشيف التاريخي للبطريركيّة اللاتينية في القدس، وقال إنه منذ إعادة تأسيسها سنة 1847 على يد البابا بيوس التاسع، حافظت البطريركية اللاتينية على ثمار أنشطتها من خلال أرشيفها التاريخي، حيث يعود أقدم وثائقها إلى أول بطريرك وهو المونسنيور جوزيبي فاليرغا (1847-1872). وأشار إلى أنّ الأرشيف يتألف من حوالي 3000 مجلد وصندوق يتضمن العديد من الوثائق بأربع لغات (الفرنسية والعربية والإيطالية والإنجليزية).
ولفت الأب حلاوة إلى أنّ الأرشيف المحفوظ متنوّع في طبيعته، فبالإضافة إلى النصوص والكتب والدوريات القديمة وحتّى التحف الفنيّة، هنالك مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية التي تصّور نشأة الكنائس والرعايا والحياة الإكليروسيّة، أقدمها يعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
وتشرّفت مع إخوتي الكهنة بالمشاركة في افتتاح هذا المعرض الذي يستمر شهرًا، وحضرته سمو الأميرة وجدان علي، وابنتها سمو الأميرة رجوة بنت علي، ووزيرة الثقافة النشطة هيفاء النجار، وسيجري قريباً توقيع كتاب من الأب جان ميشيل دي تاراغون حول المعرض وشروحات لكل صورة، فينتقل الزائر من المدينة عمّان إلى جنوب الأردن إلى شماله، ليجد أن البطريركيّة اللاتينيّة قد وزّعت خدماتها الروحيّة والإنسانيّة، بالإضافة طبعًا إلى مدارس البطريركيّة اللاتينيّة المنتشرة مثل التوأم مع الكنائس. لكن هذا المعرض قد سلّط الضوء على الكنائس ونأمل فعلاً أن يُقام معرض آخر لمدارس البطريركيّة اللاتينيّة في الأردن وقد بدأت المسيرة التعليمية فيها منذ إعادة تأسيس البطريركيّة اللاتينيّة في عام 1847.
إنّ البطريركية اللاتينيّة تعمل على إنشاء كنائسها ومدارسها خدمة للجميع، وليس انغلاقًا، لا دينيًا ولا طائفيًا، فمن يريد أن ينزل إلى ميدان الخدمة الإنسانيّة عليه أن ينسى الفروقات، وأن يقدّم خدمات جليلة للجميع بدون استثناء.
شكراً للأب جان ميشيل الدومنيكاني الفرنسي الأصل، والذي يبلغ اليوم من العمر ثمانين عاماً، على محبّته للأردن، وللأرض المقدسة بشكل عام، وقد أتحفنا قبل أيام، بتنظم محاضرة للأب الدومنيكاني الفرنسي أيضًا جان باتيست هومبير (85 عاما)، بمحاضرة قيّمة في منزل السفير الفرنسي، حول الحفريات التي قاما بها، سوية في غزة، من سنة 1995 الى سنة 2023، ولم يوقفا العمل، إلا بسبب الحرب الدائرة على غزة منذ قرابة العام. ولهما العديد من الأعمال الاستكشافية في الأردن، برفقة الدكتور فوزي زيادين. ومن خلالهما نحيي كلّ من يحبّ أرضنا المقدّسة، وكلّ من يعتبر المسيحية في هذه البلاد «ارث تاريخيا وحضاريا».