ما كان قيد التكهنات أو جاء عبر تصريح لوزير صهيوني مُتطرّف, أو من خلال دعوات يطلقها «فتيان التِلال» أو مجلس «يشَعْ» الإستيطاني, ناهيك عن دعوات لا تنتهي لإعادة إستيطان قطاع غزة المنكوب بعد تهجير سكانه, بات الآن مكشوفاً ومُوثّقاً.
الوثيقة ذات الـ«10» صفحات تحمل تاريخ 13تشرين الأول/2023, أي بعد «6» أيام فقط من عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر/2023، وتحتوي على شعار «وزارة المخابرات» الصهيونية, ما يعني من بين أمور أخرى, أنها كانت مُعدّة مُسبقاً, وتم إخراجها من «الأدراج» فقط., إذ لا يُعقل انه تم إعدادها في تلك الفترة القصيرة, بكل تفاصيلها «الدقيقة» اللوجستية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية, وخصوصاً ردود الفعل الإقليمية والدولية, والمخاطر التي قد تترتب على عملية خطيرة ومعقدة كهذه, وتحديداً على العلاقات بين تل أبيب والقاهرة.
ماذا عن التفاصيل؟..
الوثيقة المُسربة من وزارة المخابرات الإسرائيلية, كشفت عن مخطط تل أبيب لتهجير سكان قطاع غزة إلى مصر. وأشارت الوثيقة التي يعود تاريخها إلى تشرين الأول/2023، إلى نقل سكان قطاع غزة «قسّراً» إلى سيناء، مُشيرة إلى أن ذلك «سيُحقق نتائج استراتيجية إيجابية وطويلة الأمد». كما حددت الوثيقة عملية من «ثلاث مراحل» وهي: 1- إنشاء مُدن «خيام» في سيناء. 2- فتح ممر إنساني. 3- بناء مُدن في شمال سيناء, وعدم السماح للسكان بالعودة إلى النشاط أو الإقامة بالقرب من الحدود الإسرائيلية.
وإذ أوصت الوثيقة الرسمية لوزارة المخابرات الصهيونية, الجهاز «الأمني» بتنفيذ عملية نقل كاملة, لجميع سكان قطاع غزة إلى شمال سيناء, باعتباره الخيار «المُفضلّ» بين البدائل الثلاثة التي يطرحها/أي الجهاز الأمني, في ما يتعلق بمستقبل الفلسطينيين في القطاع. كما أوصت الوثيقة إسرائيل.. بالتحرّك «لإجلاء» سكان غزة إلى سيناء «خلال الحرب»، وفي الوقت نفسه–تُضيف الوثيقة–يجب «تسخير» دول العالم وعلى رأسها «الولايات المتحدة» لتنفيذ هذه الخطوة.
ولئن ذهبت الوثيقة بشكل لا لبس فيه أو غموض, في «التوصية» بتنفيذ عملية نقل المدنيين من غزة, باعتبارها «النتيجة المرجوّة من الحرب.» فإنها قسّمتْ خطة «النقل» إلى عدة مراحل. حيث سيتم في «المرحلة الأولى» إخلاء سكان غزة إلى الجنوب, في حين ستركز ضربات سلاح الجو على الجزء الشمالي من القطاع. وفي «المرحلة الثانية» سيبدأ الدخول البرّي إلى غزة, ما سيؤدي إلى احتلال القطاع بـ«أكمله» من الشمال إلى الجنوب، وتطهير المخابئ تحت الأرض من مقاتلي حماس. وبالتزامن مع احتلال القطاع، سينتقل - في المرحلة الثالثة والأخيرة - مواطنو غزة إلى الأراضي المصرية ويغادرون القطاع، ولن يُسمح لهم بالعودة إليه بشكل دائم. ولم ينس مُعِدّو الوثيقة المُسربة, لفت أنظارالجهات المولجة تنفيذ مراحل «التهجير الثلاث» إلى ضرورة «ترك الممرات باتجاه الجنوب صالحة للاستخدام, للسماح بإخلاء السكان المدنيين باتجاه رفح».
خطة مُكتملة الأركان لا تنقصها التفاصيل, وليست في حاجة إلى حملة سياسية أو دبلوماسية صهيوأميركية لتبرير هذه الخطوة, التي ستتم في خضم حرب الإبادة والتجويع التي بدأها حلف الشر الصهيوأميركي ضد الشعب الفلسطيني, ليس فقط في قطاع غزة, بل خصوصاً في الضفة الغربية, بما هي الجائزة الكبرى للمشروع الصهيوني, كمرحلة تأسيسية لدولة «إسرائيل الكبرى", التي لم تعد تكتفي بكامل مساحة فلسطين التاريخية، بل هي «رسمياً» وكما شاهدها مندوبو دول العالم الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة, كما عرضها عليهم مُجرم الحرب/نتياهو, من على منصة المبنى الزجاجي في مانهاتن. خاصة أن قطاع غزة المُحاصر لم يتوقف عن كونه شوكة مُوجعة, في خاصرة الكيان الإحلالي العنصري الفاشي, ما بالك أن سواحله ومياهه يتوفران على ثروة غازِيّة ونفطية, يسيل لهما لعاب الشركات متعددة الجنسية والأميركية منها تحديداً.
اللافت هنا أنه بعد الكشف عن الوثيقة المُسرّبة ذات الـ«10» صفحات, هو عدم قيام أي مسؤول في دولة العدو الصهيوني, بـ«نفيَّ» ما تم نشره على الملأ, بل أقرَّ مسؤول (لم يُذكر اسمه) في وزارة مخابرات العدو, أن «الوثيقة صحيحة» وتم توزيعها على «الجهاز الأمني», نيابة عن شعبة السياسات في الوزارة, ولم يكن ـ أضافَ المسؤول ذاته - من المُفترض أن تصل إلى وسائل الإعلام, إلا أن موقع «Calcalist» تمكّن من الحصول عليها ونشر محتواها.
** إستدراك:
تقترِح الوثيقة المُسرّبة، الترويج لحملة مُخصصة للمواطنين في غزة, من شأنها «تحفيزهم على الموافقة على الخطة»، وجعلهم يتخلّون عن أراضيهم، حيث تُوضح أنه يجب أن تتمحور الرسائل حول «خسارة الأرض», أي توضيح أنه «لم يعد هناك أمل في العودة إلى الأراضي التي ستحتلها إسرائيل في المستقبل القريب». وجاء في الوثيقة: لقد تأكد «الله» من خسارتكم هذه الأرض بسبب قيادة حماس, والخيار «الوحيد هو الانتقال إلى مكان آخر بمساعدة إخوانكم المسلمين».