أخبار البلد - نجح نتنياهو في تهشيم مصداقية المفاوض الامريكي في القاهرة بإطلاقه تصريحات تذهب نحو رفض اتفاق مع حركة حماس والمقاومة الفلسيطنية؛ يمنع الاحتلال من اطلاق هجوم على رفح، أو ينهي وجود جيش الاحتلال في قطاع غزة.
لم يكتف نتنياهو بذلك، بل عمل طوال ليل الاحد والاثنين على تحريك كامل أعضاء حكومته للمشاركة في جوقة الرافضين للصفقة التي تفاوض عليها الادارة الامريكية برئاسة مدير المخابرات المركزية (CIA) وليام بيرنز.
وفي الصباح التالي أعلن نتنياهو ووزير دفاعه غالانت عن بدء عملية إجلاء السكان من شرق رفح، استعدادا لهجوم وشيك على مدينة رفح، وعلى مثلث صلاح الدين (فيلادلفيا).
نتنياهو عقّد وأعاق عمل المفاوض الامريكي، وجعله يتنقل بين القاهرة والدوحة فيما يشبه التيه ومطاردة الأشباح خلف صفقة تعول عليها اميركا لترتيب اوراقها الداخلية والإقليمية.
وهنا يطرح السؤال: هل يشير الحرص الامريكي الى ان الضمانات الامريكية المقدمة لوقف القتال حال المضي بمراحل الاتفاق النهائية حقيقة أم وهم وسراب؟
تاريخ الإدارات الامريكية الحديثة والقديمة غير مطمئن؛ ففي حالة الاتفاق النووي الايراني (5+1)، وهو عبارة عن نص مكتوب بضمانات دولية شملت مجلس الامن والاتحاد الاوروبي والروسي والصين وموثق في الامم المتحدة، لم يمنع اميركا من تمزيقه وإلقائه في سلة المهملات، في مقابل فشل الاوروبيين في الإيفاء بالتزاماتهم التي تعهدوا بها كضامنين في حال نكوص احد اطراف الاتفاق على عقبيه، وهو في هذه الحالة أميركا، فأوروبا لم تطور تجارتها مع ايران، ولم ترفع العقوبات، بل انتهى الامر بانضمامها لجوقة العقوبات الامريكية على طهران!
وفي هذا السياق يذكر انإاشراك طهران لروسيا والصين كان عملا حكيما؛ اذ رفضت الدولتان الانخراط في اللعبة الامريكية، والانضمام الى العقوبات، والتزمت الدولتان برفع كافة القيود التجارية على طهران، وعمدت روسيا الى تمرير البند الاخير من الاتفاق، وتمكين ايران من الحصول على السلاح والتكنولوجيا؛ ما أتاح لها تطوير صواريخ فرط صوتية، ومواجهة التحديات الاقتصادية عبر الصين، والأهم أنها لم ترهن مستقبلها باتفاق مع اميركا او بـ"السلام الامريكي" المتوهم كما حدث في منطقتنا العربية.
وبالعودة الى التاريخ البعيد للولايات المتحدة، ونخبتها الحاكمة، تجدر الاشارة الى نقضها اكثر من 300 اتفاق مع السكان الأصليين (ما يعرف بالهنود الحمر)، وحرمانهم من كافة حقوقهم لينتهي الامر بهم في محمية يلو ستون- stone Yellow الصخرة الصفراء في ولاية وايومنغ التي كانت موضع نزاع معهم في السبعينيات من القرن الماضي، بعد ان أكدت الحكومة مجددا انها مجرد محمية ومتنزه تملكه حكومة الولايات المتحدة، لا السكان الأصليين!! تتصرف به كما تشاء في إعادة تعريفه وتحديد وجود السكان الاصليين فيه، ورسم حدودها بين الحين والآخر كما تشاء.
اميركا متخمة بنقض العهود، بل هناك مسار دستوري يعزز هذا النقض؛ من خلال السماح للكونغرس بإعادة نقض العهود بمرور دورة انتخابية لا تتجاوز 3 سنوات، ما يجعل من الحديث عن الضمانات الامريكية حديثاً عن السراب، كالحديث عن وهم السلام.
ثقافة عميقة نجد أثرها في سلوك حكومات اوروبا تجاه الاتفاق النووي الايراني، فلا ضامن اميركيا أو اوروبيا يعول عليه؛ ما يعزز التصورات بضرورة ان يكون هناك ضامنون روس وصينيون وإقليمون في آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية، سواء كانت تركيا أم جنوب افريقيا أم البرازيل، لضمان الصفقة بين الكيان المحتل والمقاومة، أسوة بما حدث مع الايرانيين الذين استعانوا بهؤلاء الضامنين الموثوقين لإجهاض جهود عزلهم ومحاصرتهم، ومنعا لتكرار ما حدث مع سكان اميركا الاصليين الذي انتهى بهم الامر لتحويل المناطق (أ) الخاصة بهم من موطن الى متنزهات تخضع للحكومة الامريكية، وتحول السكان الى ما يشبه الممتلكات العامة!
سراب الضمانات الأمريكية
حازم عياد