الحراك السياسي الشعبي المعارض في الأردن سبق الربيع العربي بأعوام إلاّ أنّه قوبل بصمم رسمي يثير الاستفزاز , واصرارعلى نهج سياسي يدفع الناس للانفجار حتى أصبح ما يجري في الأردن ظاهرة تستعصي على فهم المراقبين , وبدأت الشكوك تتسرب إلى النفوس بوجود مخطط مدروس لتدمير الوطن , والقضاء على الدولة الأردنية , وظهرت دراسات تبين معالم هذا المخطط منها الكتاب الذي أصدرته لجنة المبادرة الوطنية في تشرين أول من عام 209م تحت عنوان { المبادرة الوطنية : المنطلقات النظرية – دراسات وأبحاث } .
ونتيجة لذلك النهج المرفوض شعبيا , والسياسات الاستفزازية في جميع المجالات وعدم الاستماع لشكوى الشاكين , ونصائح الناصحين فقد بدأت تظهر في المجتمع ظواهر مرعبة تهدد السلم الأهلي والأمن المجتمعي متمثلة بالعنف المجتمعي والجامعي الذي بدأ يردّ الناس لحال أسوأ مما كانت عليه الحال قبل قيام الدولة , والذي جاء نتيجة عاملين متكاملين : التراخي المتعمد من قبل أجهزة الدولة المعنية بهذه الشؤون , وحالة الاحتقان الشعبي مما يجري , ومما يشاع ويذاع من انتشار للفساد , ونهب المال العام , وارتفاع شعار وطن برسم البيع على الملأ .
وكلّ تلك الإشارات التحذيرية لم تكن كافية لوقفة مراجعة بل كانت تدفع الأمور بتسارع مريب في نفس النهج المثير للسخط والاحتجاج الشعبي حتى تجرأ رئيس وزراء أسبق في تلك الظروف التي بلغ فيها الاحتقان الأوج على القول بأنّ حكومته لا تبحث عن شعبية مما أضطر مجلس النواب المرعوب المهدد بالحلّ على أبسط الأمور لأن يعطيها ثقة برقم أصبح سبّة أبدية تلاحق هذا المجلس ... ثمّ كان ما كان وتداعت الأمور وسقطت الحكومة بعد تلك الثقة الدسمة بفترة وجيزة حيث فوجيء المستقوون على شعوبهم بمداهمة الزلزال الذي أطلق عليه اسم الربيع العربي فوقفوا مذهولين حائرين حلاوة الاستبداد وشهوة التفرد بالسلطة تمنعهم من الإصلاح وتعديل المسار, والرعب مما يجري يمنعهم من مواصلة المسيرة السابقة بنفس القوة والاندفاع والصلف كما كان في السابق .
ظهر الحراك الشعبي وخرج للعلن بعد عقود من الهمس والتهامس تقوده طلائع المجتمع من المثقفين الوطنيين المقهورين فتحركت قوى الفساد والافساد مشكّة ما يسمى بقوى "الشدّ العكسي " , وأجلبت على دعاة الإصلاح بخيلها ,ورجلها , وأبواقها , وصنائعها , وأمعنت فيهم تشكيكا وتخوينا وتخويفا , وانطلقت الأبواق , والأقلام المأجورة , والألسنة المعسولة مستخدمة كلّ ما لديها من فنون الزيف والخداع لإجهاض الإصلاح , وحرفه عن مساره الصحيح, وتساقطت أقنعة أصحاب الأقلام المأجورة الذين أشبعونا في الماضي تشاكيا وتباكيا وصراخا وتحذيرا وتنظيرا طيلة تلك السنين العجاف لا حديث لهم إلاّ عن الفساد والفاسدين والسماسرة , ونهب الأموال , وبيع مقدرات الوطن , وتفكيك الدولة , وضياع الشعب , وعندما انتفضت طلائع الشعب مطالبة بإصلاح حقيقي وإذا بهم يقلبون لهم ظهر المجنّ تسويفا وتشكيكا وتحذيرا .
وقد مضى على الحراك الشعبي عام ولا تزال الأمور ترواح مكانها , وعربة الإصلاح تسير سير مُثقَلة في أرض موحلة فتزداد الهوة بين الشعب والدولة , وتخرج الأمور من إطار المشاركة للمغالبة , ومن إطار التعاون للاستقواء مما يؤشر بأنّ الأمور لا تسير في الاتجاه الذي يخدم الوطن ويحفظ أمنه واستقراره ويوصله إلى برّ السلامة بأمان , المطالب يرتفع سقفها والدولة تقابلها بتجاهل وصمم يثير الحفيظة .
ولتحرير الخلاف بين الطرفين كما يقول السادة الفقهاء فإننا نجد أنّ الخلاف يتمحور حول النقاط التالية :
1. مفهوم الأمّة مصدر السلطات المنصوص عليها في المادّة (24) من الدستور فالدولة تصرّ على تفريغ هذه المادّة من مضمونها , وتصرّ على تكريس الاستبداد والسلطة المطلقة ولا تريد أن تتنازل عن ذلك , ظهر ذلك جليا في التعديلات الدستورية الأخيرة , ويقابل هذا النهج المتطرف نهج لا يقلّ عنه تطرفا يطالب بإعادة السلطة كاملة للشعب وتحويل الملكية إلى مجرد ملكية رمزية مجردة من السلطة .
2. مكافحة الفساد : الدولة كانت تقول إنّ الحديث عن الفساد مبالغ فيه وقوى المعارضة والحراك الشعبي يقولون بأنّ الفساد قد تغوّل وتجذّر وأصبح جزءا من ماهية الدولة , وهم يطالبون بالمحاكمة الفورية للفاسدين واسترجاع الأموال والثروات المنهوبة غير منقوصة , مع فضحهم وتعريتهم .
3. الدولة تصرّ على عدم خضوع أكثر من رُبع الموازنة للرقابة الشعبية الممثلة بمجلس النواب , ويقابلها مطلب متطرّف يصرّ على معرفة أبواب الأنفاق بالتفصيل حتى في القضايا السرية الحساسة المتعلقة بأمن الوطن .
4. الدولة تصرّ على إبقاء الحياة السياسية خاضعة للسيطرة الأمنية بوسائلها المختلفة ويقابل ذلك مطلب بعزل المؤسسة الأمنية عن الحياة السياسية وإدارة شؤون الدولة نهائيا , والتحكم في الوظائف العليا .
5. قضية الهوية الوطنية : حيث يرى الجميع أنّ الدولة ساهمت بتذويب الهوية الفلسطينية ولا تزال حيث منحت الجنسية لكثير من الفلسطينيين بعد قرار فك الارتباط , ولا تزال مستمرة في مشروع التجنيس المتوقف مؤقتا تماشيا مع الظروف السائدة , يضاف إلى ذلك سقوط خيار " حقّ العودة " واقعيا , وارتفاع الأصوات التي تطالب بالمحاصصة والحقوق المنقوصة مما يعني تحقيق فكرة " الوطن البديل " ويتضاعف الخطر من أحاديث وتهامس وتلميح باستقدام فلسطيني الشتات وتوطينهم في الأردن , ثمّ يأتي الخطر الداهم بعودة المناطق ذات الكثافة السكانية من الضفة للأردن تحت شكل من أشكال الوحدة مما يعني تحويل الشرق أردنيين إلى أقلية بحدود ال25% فقط , وهذا أمر مرفوض شعبيا , ولدرء هذا الخطر هناك طرح متطرف يقوده تيارنخبوي له سند شعبي يناضل من أجل عدم إعطاء أي حقوق سياسية لحملة الجنسية الأردنية من ذوي الأصول الفلسطينية .
إنّ هذه النقاط الخمسة هي المحاور الرئيسية التي يدور عليها الخلاف بين الدولة والحراك الشعبي , وأؤكد هنا بأنّ تلخيصي لهذه الآراء والمواقف لا يعني اتفاقي مع كل ما يطرح , ولكنني أحاول أن أقدّم صيغة توافقية لئلا ينجرف الوطن في مستنقع الفوضى الخلاقة التي ترعاها قوى دولية كبرى لإعادة تشكيل المنطقة بطريقة جديدة تقسّم المقسّم , وتخلق من الفتن والكوارث ما تبقى آثاره مئات السنين علاوة على دمار كل ما تمّ إنجازه كما يحصل في كثير من بلدان العرب , فدعونا نناقش تلك النقاط واحدة واحدة لعلنا نصل معا لصيغة مقبولة للطرفين وذلك كما يلي :
1. المادة الأولى في الدستور تنصّ على أنّ " ونظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي " , وهذا يعني أنّ العقد الاجتماعي بين الأردنيين والهاشميين هو عقد مشاركة , الشعب يمارس سلطته من خلال مجلس النواب والملك يمارس سلطته من خلال مجلس الوزراء فالأمر المنطقي أن يكون مجلس النواب سيد نفسه فعلا لا قولا بتحصينه من الحلّ , وعدم التدخل في شؤونه مطلقا , وعليه فإنّ المادّة المادة 34 من الدستور يجب أن تلغى , وأمّا مجلس الأعيان فهو بين أمرين : أولهما أن يبقى على حاله مع تجريده من صلاحية التدخل في التشريع , ويكون بيت خبرة , ومجلس حكماء لتقديم المشورة غير الملزمة لمجلس النواب والحكومة . وثانيهما : أن يتمّ انتخابه وفق شروط دقيقة ويكون له نفس الصلاحيات الحالية .. أمّا المادة 33 والمادة 35 فتبقى على حالها , وتظل السلطة بيد الملك يمارسها من خلال حكومة معينة من قبله شريطة حصولها على ثقة مجلس النواب .
2. مكافحة الفساد :
• استعادة الثروات الوطنية من مياه وأنهار ومعادن والتي هي في حكم العقل والنقل والأخلاق ملكية للوطن ولا يجوز أن تملكها فئة دون فئة .
• التحقيق مع كل من تحوم حولهم شبهات فساد بسرية , وبعيدا عن التشهير , وبإشراف مراقبين من الحكماء من جميع الأطياف يلتزمون بالسرية والكتمان , فمن ثبت عليه فساد يسترجع منه المال المنهوب , ويحرم من المشاركة بالحياة العامة بدون إعلان أو تشهير , ويكتفى بهذين الإجراءين فقط مع التعهد بأنّ كل من حاول أن يشهر به يعاقب شريطة إلتزامه بالابتعاد عن الحياة العامّة .
3. تخضع الموازنة وكل مال يدخل للوطن مثل أموال المنح لإشراف ومراقبة مجلس النواب بشكل تفصيلي , ويستثنى من ذلك موازنة الجيش والأمن في الجوانب التي تمسّ الأمن الوطني , وما عدى ذلك يخضع للرقابة كالرواتب والعطاءات , وما لا يضرّ كشفه أو معرفته , ويساهم في ضبط الانفاق والحفاظ على المال العام .
4. السيطرة الأمنية أن تقتصر على ما يمسّ الأمن الوطني , ولا يجوز لها أن تتدخل في في الحياة السياسية والوظائف العليا مع بقائها مراقبة للأوضاع فإن رأت خللا سارعت بتقديم المنحرف للقضاء المختصّ أو خاطبت الجهة ذات الصلاحية لتصويب الخلل .
5. الهوية : يتمّ تجاوز الخطر بما يلي :
• كل من يحمل الجنسية الأردنية حاليا يعتبر أردنيا له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات مع إغلاق باب التجنيس نهائيا .
• وضع قانون انتخاب يراعي البعد الجغرافي والديمغرافي , وإنّ أفضل ما طرح في هذا المجال ذلك المشروع الذي قدّمه أ.د. محمود الكوفحي تحت عنوان "مجلس الأمة الذي نريد " والمنشور على المواقع الإكترونية , فهو يحافظ على حقوق جميع فئات الشعب , ولا يسمح بتغول أغلبية على أقلية .
• تبني ثقافة جادة لصهر مكونات الشعب ومحاربة الهويات القاتلة والنظرات الضيقة , والترفع عن سياسة فرق تسدّ .
• وفي حال أنّ القوى الكبرى تأبى إلاّ فرض التوطين وتجنيس فلسطيي الشتات فإنّ الحل يكون بإحياء المشروع العربي الوحدوي الهاشمي بتوحيد بلاد الشام في دولة واحدة ليساهم الجميع في تحمّل آثار القضية الفلسطينية حتى يأتي الله بأمره .
وختاما فقد اجتهدت فإن أصبت فذلك ما أردت وإن كانت الثانية أرجو معذرة العقلاء وأولي الأحلام والنهى وآمل منهم أن يتقدموا بمشروع توافقي ليخرج الوطن من محنته لئلا يقع في مستنقع مدمر لا سمح الله لا ينفع معه حيئذ نصح الناصحين وصيحات الغيورين .
فلاح أديهم المسلم
الثامن عشر من آذار 2012م
ونتيجة لذلك النهج المرفوض شعبيا , والسياسات الاستفزازية في جميع المجالات وعدم الاستماع لشكوى الشاكين , ونصائح الناصحين فقد بدأت تظهر في المجتمع ظواهر مرعبة تهدد السلم الأهلي والأمن المجتمعي متمثلة بالعنف المجتمعي والجامعي الذي بدأ يردّ الناس لحال أسوأ مما كانت عليه الحال قبل قيام الدولة , والذي جاء نتيجة عاملين متكاملين : التراخي المتعمد من قبل أجهزة الدولة المعنية بهذه الشؤون , وحالة الاحتقان الشعبي مما يجري , ومما يشاع ويذاع من انتشار للفساد , ونهب المال العام , وارتفاع شعار وطن برسم البيع على الملأ .
وكلّ تلك الإشارات التحذيرية لم تكن كافية لوقفة مراجعة بل كانت تدفع الأمور بتسارع مريب في نفس النهج المثير للسخط والاحتجاج الشعبي حتى تجرأ رئيس وزراء أسبق في تلك الظروف التي بلغ فيها الاحتقان الأوج على القول بأنّ حكومته لا تبحث عن شعبية مما أضطر مجلس النواب المرعوب المهدد بالحلّ على أبسط الأمور لأن يعطيها ثقة برقم أصبح سبّة أبدية تلاحق هذا المجلس ... ثمّ كان ما كان وتداعت الأمور وسقطت الحكومة بعد تلك الثقة الدسمة بفترة وجيزة حيث فوجيء المستقوون على شعوبهم بمداهمة الزلزال الذي أطلق عليه اسم الربيع العربي فوقفوا مذهولين حائرين حلاوة الاستبداد وشهوة التفرد بالسلطة تمنعهم من الإصلاح وتعديل المسار, والرعب مما يجري يمنعهم من مواصلة المسيرة السابقة بنفس القوة والاندفاع والصلف كما كان في السابق .
ظهر الحراك الشعبي وخرج للعلن بعد عقود من الهمس والتهامس تقوده طلائع المجتمع من المثقفين الوطنيين المقهورين فتحركت قوى الفساد والافساد مشكّة ما يسمى بقوى "الشدّ العكسي " , وأجلبت على دعاة الإصلاح بخيلها ,ورجلها , وأبواقها , وصنائعها , وأمعنت فيهم تشكيكا وتخوينا وتخويفا , وانطلقت الأبواق , والأقلام المأجورة , والألسنة المعسولة مستخدمة كلّ ما لديها من فنون الزيف والخداع لإجهاض الإصلاح , وحرفه عن مساره الصحيح, وتساقطت أقنعة أصحاب الأقلام المأجورة الذين أشبعونا في الماضي تشاكيا وتباكيا وصراخا وتحذيرا وتنظيرا طيلة تلك السنين العجاف لا حديث لهم إلاّ عن الفساد والفاسدين والسماسرة , ونهب الأموال , وبيع مقدرات الوطن , وتفكيك الدولة , وضياع الشعب , وعندما انتفضت طلائع الشعب مطالبة بإصلاح حقيقي وإذا بهم يقلبون لهم ظهر المجنّ تسويفا وتشكيكا وتحذيرا .
وقد مضى على الحراك الشعبي عام ولا تزال الأمور ترواح مكانها , وعربة الإصلاح تسير سير مُثقَلة في أرض موحلة فتزداد الهوة بين الشعب والدولة , وتخرج الأمور من إطار المشاركة للمغالبة , ومن إطار التعاون للاستقواء مما يؤشر بأنّ الأمور لا تسير في الاتجاه الذي يخدم الوطن ويحفظ أمنه واستقراره ويوصله إلى برّ السلامة بأمان , المطالب يرتفع سقفها والدولة تقابلها بتجاهل وصمم يثير الحفيظة .
ولتحرير الخلاف بين الطرفين كما يقول السادة الفقهاء فإننا نجد أنّ الخلاف يتمحور حول النقاط التالية :
1. مفهوم الأمّة مصدر السلطات المنصوص عليها في المادّة (24) من الدستور فالدولة تصرّ على تفريغ هذه المادّة من مضمونها , وتصرّ على تكريس الاستبداد والسلطة المطلقة ولا تريد أن تتنازل عن ذلك , ظهر ذلك جليا في التعديلات الدستورية الأخيرة , ويقابل هذا النهج المتطرف نهج لا يقلّ عنه تطرفا يطالب بإعادة السلطة كاملة للشعب وتحويل الملكية إلى مجرد ملكية رمزية مجردة من السلطة .
2. مكافحة الفساد : الدولة كانت تقول إنّ الحديث عن الفساد مبالغ فيه وقوى المعارضة والحراك الشعبي يقولون بأنّ الفساد قد تغوّل وتجذّر وأصبح جزءا من ماهية الدولة , وهم يطالبون بالمحاكمة الفورية للفاسدين واسترجاع الأموال والثروات المنهوبة غير منقوصة , مع فضحهم وتعريتهم .
3. الدولة تصرّ على عدم خضوع أكثر من رُبع الموازنة للرقابة الشعبية الممثلة بمجلس النواب , ويقابلها مطلب متطرّف يصرّ على معرفة أبواب الأنفاق بالتفصيل حتى في القضايا السرية الحساسة المتعلقة بأمن الوطن .
4. الدولة تصرّ على إبقاء الحياة السياسية خاضعة للسيطرة الأمنية بوسائلها المختلفة ويقابل ذلك مطلب بعزل المؤسسة الأمنية عن الحياة السياسية وإدارة شؤون الدولة نهائيا , والتحكم في الوظائف العليا .
5. قضية الهوية الوطنية : حيث يرى الجميع أنّ الدولة ساهمت بتذويب الهوية الفلسطينية ولا تزال حيث منحت الجنسية لكثير من الفلسطينيين بعد قرار فك الارتباط , ولا تزال مستمرة في مشروع التجنيس المتوقف مؤقتا تماشيا مع الظروف السائدة , يضاف إلى ذلك سقوط خيار " حقّ العودة " واقعيا , وارتفاع الأصوات التي تطالب بالمحاصصة والحقوق المنقوصة مما يعني تحقيق فكرة " الوطن البديل " ويتضاعف الخطر من أحاديث وتهامس وتلميح باستقدام فلسطيني الشتات وتوطينهم في الأردن , ثمّ يأتي الخطر الداهم بعودة المناطق ذات الكثافة السكانية من الضفة للأردن تحت شكل من أشكال الوحدة مما يعني تحويل الشرق أردنيين إلى أقلية بحدود ال25% فقط , وهذا أمر مرفوض شعبيا , ولدرء هذا الخطر هناك طرح متطرف يقوده تيارنخبوي له سند شعبي يناضل من أجل عدم إعطاء أي حقوق سياسية لحملة الجنسية الأردنية من ذوي الأصول الفلسطينية .
إنّ هذه النقاط الخمسة هي المحاور الرئيسية التي يدور عليها الخلاف بين الدولة والحراك الشعبي , وأؤكد هنا بأنّ تلخيصي لهذه الآراء والمواقف لا يعني اتفاقي مع كل ما يطرح , ولكنني أحاول أن أقدّم صيغة توافقية لئلا ينجرف الوطن في مستنقع الفوضى الخلاقة التي ترعاها قوى دولية كبرى لإعادة تشكيل المنطقة بطريقة جديدة تقسّم المقسّم , وتخلق من الفتن والكوارث ما تبقى آثاره مئات السنين علاوة على دمار كل ما تمّ إنجازه كما يحصل في كثير من بلدان العرب , فدعونا نناقش تلك النقاط واحدة واحدة لعلنا نصل معا لصيغة مقبولة للطرفين وذلك كما يلي :
1. المادة الأولى في الدستور تنصّ على أنّ " ونظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي " , وهذا يعني أنّ العقد الاجتماعي بين الأردنيين والهاشميين هو عقد مشاركة , الشعب يمارس سلطته من خلال مجلس النواب والملك يمارس سلطته من خلال مجلس الوزراء فالأمر المنطقي أن يكون مجلس النواب سيد نفسه فعلا لا قولا بتحصينه من الحلّ , وعدم التدخل في شؤونه مطلقا , وعليه فإنّ المادّة المادة 34 من الدستور يجب أن تلغى , وأمّا مجلس الأعيان فهو بين أمرين : أولهما أن يبقى على حاله مع تجريده من صلاحية التدخل في التشريع , ويكون بيت خبرة , ومجلس حكماء لتقديم المشورة غير الملزمة لمجلس النواب والحكومة . وثانيهما : أن يتمّ انتخابه وفق شروط دقيقة ويكون له نفس الصلاحيات الحالية .. أمّا المادة 33 والمادة 35 فتبقى على حالها , وتظل السلطة بيد الملك يمارسها من خلال حكومة معينة من قبله شريطة حصولها على ثقة مجلس النواب .
2. مكافحة الفساد :
• استعادة الثروات الوطنية من مياه وأنهار ومعادن والتي هي في حكم العقل والنقل والأخلاق ملكية للوطن ولا يجوز أن تملكها فئة دون فئة .
• التحقيق مع كل من تحوم حولهم شبهات فساد بسرية , وبعيدا عن التشهير , وبإشراف مراقبين من الحكماء من جميع الأطياف يلتزمون بالسرية والكتمان , فمن ثبت عليه فساد يسترجع منه المال المنهوب , ويحرم من المشاركة بالحياة العامة بدون إعلان أو تشهير , ويكتفى بهذين الإجراءين فقط مع التعهد بأنّ كل من حاول أن يشهر به يعاقب شريطة إلتزامه بالابتعاد عن الحياة العامّة .
3. تخضع الموازنة وكل مال يدخل للوطن مثل أموال المنح لإشراف ومراقبة مجلس النواب بشكل تفصيلي , ويستثنى من ذلك موازنة الجيش والأمن في الجوانب التي تمسّ الأمن الوطني , وما عدى ذلك يخضع للرقابة كالرواتب والعطاءات , وما لا يضرّ كشفه أو معرفته , ويساهم في ضبط الانفاق والحفاظ على المال العام .
4. السيطرة الأمنية أن تقتصر على ما يمسّ الأمن الوطني , ولا يجوز لها أن تتدخل في في الحياة السياسية والوظائف العليا مع بقائها مراقبة للأوضاع فإن رأت خللا سارعت بتقديم المنحرف للقضاء المختصّ أو خاطبت الجهة ذات الصلاحية لتصويب الخلل .
5. الهوية : يتمّ تجاوز الخطر بما يلي :
• كل من يحمل الجنسية الأردنية حاليا يعتبر أردنيا له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات مع إغلاق باب التجنيس نهائيا .
• وضع قانون انتخاب يراعي البعد الجغرافي والديمغرافي , وإنّ أفضل ما طرح في هذا المجال ذلك المشروع الذي قدّمه أ.د. محمود الكوفحي تحت عنوان "مجلس الأمة الذي نريد " والمنشور على المواقع الإكترونية , فهو يحافظ على حقوق جميع فئات الشعب , ولا يسمح بتغول أغلبية على أقلية .
• تبني ثقافة جادة لصهر مكونات الشعب ومحاربة الهويات القاتلة والنظرات الضيقة , والترفع عن سياسة فرق تسدّ .
• وفي حال أنّ القوى الكبرى تأبى إلاّ فرض التوطين وتجنيس فلسطيي الشتات فإنّ الحل يكون بإحياء المشروع العربي الوحدوي الهاشمي بتوحيد بلاد الشام في دولة واحدة ليساهم الجميع في تحمّل آثار القضية الفلسطينية حتى يأتي الله بأمره .
وختاما فقد اجتهدت فإن أصبت فذلك ما أردت وإن كانت الثانية أرجو معذرة العقلاء وأولي الأحلام والنهى وآمل منهم أن يتقدموا بمشروع توافقي ليخرج الوطن من محنته لئلا يقع في مستنقع مدمر لا سمح الله لا ينفع معه حيئذ نصح الناصحين وصيحات الغيورين .
فلاح أديهم المسلم
الثامن عشر من آذار 2012م